الخطبة الأولى
الحمد لله الذي افتتح كتابه بالحمد، فقال:( الحمد لله رب العالمين* الرحمن الرحيم* مالك يوم الدين). وافتتح حديثه عن خلقه بالحمد، فقال:( الحمد لله الذي خلق السموات والأرض). واختتم يوم الحساب بالحمد، فقال:( وترى الملائكة حافين من حول العرش يسبحون بحمد ربهم وقضي بينهم بالحق وقيل الحمد لله رب العالمين). وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له (له الحمد في الأولى والآخرة وله الحكم وإليه ترجعون). وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبد الله ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فأوصيكم عباد الله ونفسي بتقوى الله، قال سبحانه وتعالى:( وقيل للذين اتقوا ماذا أنزل ربكم قالوا خيرا للذين أحسنوا في هذه الدنيا حسنة ولدار الآخرة خير ولنعم دار المتقين).
يا أهل القرآن: لقد أنزل الله تعالى على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم قرآنا مجيدا، وكتابا عزيزا ( لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد). فجعل فيه الهداية والنور، والشفاء لما في الصدور، قال تعالى:( يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين). فمن قرأ القرآن الكريم ضاعف الله تعالى له حسناته، ورفع له درجاته، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :« من قرأ حرفا من كتاب الله فله به حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول الم حرف، ولكن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف».
وقد دعانا ربنا إلى تدبر كتابه العظيم، فقال سبحانه:( كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولو الألباب). وأولو الألباب هم أصحاب العقول الذين يتدبرون القرآن فتخشع له قلوبهم، وتلين جلودهم، قال تعالى:( الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها مثاني تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله).
أيها المؤمنون: لقد نبهنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى فضل سور من القرآن الكريم، لنعطيها مزيدا من التلاوة لآياتها، والتدبر في معانيها، ومنها سورة الملك، التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا ينام حتى يقرأها. وكان الصحابة رضي الله عنهم يحرصون على قراءتها، قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: كنا في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم نسميها المانعة، ومن قرأ بها في كل ليلة فقد أكثر وأطاب. فهي تأتي يوم القيامة تدافع عن قارئها حتى تشفع له وتدخله الجنة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :« إن سورة من القرآن ثلاثون آية شفعت لرجل حتى غفر له، وهي سورة تبارك الذي بيده الملك». وفي رواية:« خاصمت عن صاحبها حتى أدخلته الجنة». وقال حميد بن عبد الرحمن بن عوف رحمه الله:( قل هو الله أحد) تعدل ثلث القرآن، و(تبارك الذي بيده الملك) تجادل -أي: تدافع- عن صاحبها. فمن داوم على قراءتها؛ كانت له حجة يوم القيامة.
أيها المسلمون: افتتحت سورة الملك بقوله تعالى:( تبارك الذي بيده الملك وهو على كل شيء قدير). فتحدثت في بدايتها عن تمجيد الله تبارك وتعالى، فهو مالك الملك، يؤتيه من يشاء سبحانه، وهو المتصرف في جميع المخلوقات بقدرته، يسيرها بإرادته، ويدبرها بحكمته، فسبحانه من إله :( يدبر الأمر يفصل الآيات لعلكم بلقاء ربكم توقنون). كما بينت السورة أن الله عز وجل قد وهبنا الحياة؛ لنحسن فيها العمل، فقال تعالى:( الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا وهو العزيز الغفور). فدلت هذه الآية على أن الأعمال تقاس بجودتها وإتقانها، وليس بكثرتها، فلم يقل سبحانه : ليبلوكم أيكم أكثر عملا، فإن الله عز وجل قد تحدث بعدها عن إتقان صنعه، وبديع خلقه، فقال تعالى:( الذي خلق سبع سموات طباقا ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت فارجع البصر هل ترى من فطور). إنه كون محكم الإتقان:( صنع الله الذي أتقن كل شيء). يتعلم منه الإنسان أن يتقن عمله، فيبذل جهده، طبيبا كان أو مهندسا، أو معلما أو موظفا أو طالبا، كل في مكانه، فالإتقان من أهم عوامل رقي الحياة وتقدمها، وكيف لا نتقن عملنا؟ وقد هيأ الله تعالى الأرض لنا، وجعلها مذللة ممهدة لنعمرها بصالح الأعمال، ونطلب فيها الرزق الحلال، قال سبحانه:( هو الذي جعل لكم الأرض ذلولا فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور).
عباد الله: ثم ذكرت سورة الملك بخشية الله تعالى، فتناولت
ثواب من راقب الله عز وجل في سره وجهره، فأحسن قوله وفعله، قال تعالى:( إن الذين يخشون ربهم بالغيب لهم مغفرة وأجر كبير). أي فلهم مغفرة لذنوبهم، وأجر عظيم بدخولهم الجنة. التي أعدت لمن (خشي الرحمن بالغيب وجاء بقلب منيب). فيقال لهم:( ادخلوها بسلام ذلك يوم الخلود* لهم ما يشاءون فيها ولدينا مزيد). فيدخلون الجنة خالدين سالمين من العذاب، يرزقون فيها بغير حساب.
فاللهم ارزقنا جنتك، واقسم لنا من خشيتك، واجعل القرآن العظيم ربيع قلوبنا، ونور صدورنا، ووفقنا لطاعتك أجمعين، وطاعة رسولك محمد الأمين صلى الله عليه وسلم وطاعة من أمرتنا بطاعته، عملا بقولك:( يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم).
نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم، وبسنة نبيه الكريم صلى الله عليه وسلم.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمدا عبد الله ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فاتقوا الله عباد الله حق التقوى، وانظروا إلى مظاهر قدرة الله تعالى، ولطفه بعباده، وآثار رحمته التي ذكرها في سورة الملك، فقد رزقهم من نعم الأرض وخيراتها، وامتن عليهم بما أعطاهم من جوارح لاغتنامها في البناء والخير، فقال سبحانه وتعالى:( قل هو الذي أنشأكم وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة قليلا ما تشكرون).
ثم دعانا الله عز وجل إلى الإقرار بقدرته؛ فختم سورة الملك بقوله تعالى:( قل أرأيتم إن أصبح ماؤكم غورا فمن يأتيكم بماء معين).
وإن الذي يتدبر آيات القرآن، ويتأمل آثار رحمة الله عز وجل؛ لا يملك إلا أن يردد بقلبه ولسانه قول الله تعالى من سورة الملك:( قل هو الرحمن آمنا به وعليه توكلنا).
فهل نحرص على تدبر كتاب الله؟ وهل نتلو آياته باستمرار؟ وهل نقرأ سورة الملك ونعلمها أولادنا لنفوز بالأجر العظيم؟
هذا وصلوا وسلموا على من أمرتم بالصلاة والسلام عليه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :« من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشرا». اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. اللهم علمنا من القرآن ما جهلنا، وذكرنا منه ما نسينا، وارزقنا حسن تلاوته آناء الليل وأطراف النهار على الوجه الذي يرضيك عنا يا رب العالمين.
اللهم ارحم شهداء الوطن وقوات التحالف الأبرار، وأنزلهم منازل الأخيار، وارفع درجاتهم في عليين مع النبيين والصديقين، يا عزيز يا كريم.
اللهم اجز خير الجزاء أمهات الشهداء وآباءهم وزوجاتهم وأهليهم جميعا، اللهم انصر قوات التحالف العربي، الذين تحالفوا على رد الحق إلى أصحابه، اللهم كن معهم وأيدهم، اللهم وفق أهل اليمن إلى كل خير، واجمعهم على كلمة الحق والشرعية، وارزقهم الرخاء يا أكرم الأكرمين.
اللهم انشر الاستقرار والسلام في بلدان المسلمين والعالم أجمعين. اللهم ارض عن الخلفاء الراشدين: أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن سائر الصحابة الأكرمين.
اللهم إنا نسألك من الخير كله، عاجله وآجله، ونسألك الجنة لنا ولوالدينا، ولمن له حق علينا، وللمسلمين أجمعين.
اللهم وفق رئيس الدولة، الشيخ خليفة بن زايد، وأدم عليه موفور الصحة والعافية، واجعله يا ربنا في حفظك وعنايتك، ووفق اللهم نائبه وولي عهده الأمين لما تحبه وترضاه، وأيد إخوانه حكام الإمارات.
اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات، اللهم ارحم الشيخ زايد، والشيخ مكتوم، وشيوخ الإمارات الذين انتقلوا إلى رحمتك،وأدخل اللهم في عفوك وغفرانك ورحمتك آباءنا وأمهاتنا وجميع أرحامنا ومن له حق علينا.
اللهم إنا نسألك المغفرة والثواب لمن بنى هذا المسجد ولوالديه، ولكل من عمل فيه صالحا وإحسانا، واغفر اللهم لكل من بنى لك مسجدا يذكر فيه اسمك، أو وقف وقفا يعود بالخير على عبادك، أو تنتفع به ذريته من بعده.
اللهم اجعل جمعنا هذا جمعا مرحوما، واجعل تفرقنا من بعده تفرقا معصوما، ولا تدع فينا ولا معنا شقيا ولا محروما.
اللهم احفظ دولة الإمارات من الفتن ما ظهر منها وما بطن، وأدم عليها الأمن والأمان يا رب العالمين.
ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار. اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم اسقنا من بركات السماء، وأنبت لنا من بركات الأرض.
عباد الله:( إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون).
اذكروا الله العظيم يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم ( وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون).
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق