من ديارنا
الزميلة الإعلامية مني أبــــــو سمرة
الزميلة الإعلامية مني أبــــــو سمرة
من حديثها عن الأمكنة والشخوص الكامنة في ذاكرتها يستشف المرء ملامح شخصيتها المفرطة في العاطفية والأحاسيس المرهفة، جريئة ومحبة لخوض غمار المغامرات منذ صغرها، تكره الظلم وتدافع عن الآخرين لدرجة أن معلماتها أطلقن عليها محامي الدفاع عن الطالبات، كما تنبأن لها بمستقبل باهر إذا عملت في المحاماة، غير أن ميولها الإعلامية جرفتها إلى بلاط صاحبة الجلالة فدرست الصحافة.
ثم شقت طريقها بكفاءة في خضم المهنة الصحافية، تهوى العمل التطوعي ولها مساهماتها العديدة ابان دراستها في المراحل المختلفة، لتتكلل عطاءاتها في جمعية الصحافيين بعد سنين من العمل التطوعي لتصبح أمين عام السر بالجمعية، منى أبوسمرة وجه إماراتي شاب استطاعت أن تثبت وجودها في اختيارها المهني الصعب، معها نقلب صفحات الذكريات لنتعرف على تجربتها ومسيرتها الحياتية والمهنية.
بداية السبعينات كان مولدها، وفي منطقة أم سقيم بالجميرا بدبي ترعرعت وعاشت طفولتها وسط أخوتها الصبيان، تقول: أكبر أخوتي جمعة ويأتي بعده مبارك ثم أنا، ولدي أشقاء أصغر مني وهم سعيد ومنصور وشقيقتي الوحيدة مها، وبين أخوتي الصبيان نشأت وأنا ألعب معهم وأشاركهم كل ما يفعلونه،
لعبت معهم كرة القدم وكنت أقف في حراسة المرمى، وذهبت معهم للصيد وكانوا يربطون المراجيح في شجرة اللوزة بساحة بيتنا، تلك الشجرة التي شهدت ظلالها أجمل مراحل عمرنا الطفولية، في تلك المرحلة كنت البنت الوحيدة بين أشقائي، ولهذا ارتبطت بهم، وهم بدورهم كانوا يقربونني منهم ويحتضنون طفولتي بفرح،
وقد خلق هذا التقارب روح المغامرة عندي إذ استهوتني العاب الصبيان وكنت أمارسها مثلهم، وكذلك تأثرت بأشقائي فابتعدت قليلاً عن الفتيات وألعابهن إلا فيما ندر، وامتد هذا التأثر وحاولت أن أجاري شقيقي جمعة الذي درس المحاماة وراودتني الأحلام
لان أصبح مثله، الى إن جاء موعد التسجيل في الجامعة كان أمامي اختياران لا ثالث لهما، إما دراسة القانون وإما الصحافة، ولأنني شاركت في جماعة الصحافة في مرحلة الثانوية حسمت اختياري في الإعلام.
طفلة مدللة
كان والدي يعمل ضابطاً في القوات المسلحة، ورغم صرامته وشدته إلا انه كان حنوناً معنا ويعاملنا كأصدقاء، واتضحت هذه المعاملة معي على وجه الخصوص كوني البنت الأولى، ولا أنكر أنني حظيت بمعاملة خاصة من والدي ووالدتي وأشقائي، ونلت قدراً كبيراً من الدلال والاحترام أيضا، وكما قلت كانت ميولي للعب مع الصبيان أكثر من البنات،
ومع ذلك لم يكن هناك خوف علينا نحن البنات جميعا، منذ كان سكان المنطقة يعرفون بعضهم البعض ولا غريب بينهم، وكانت البيوت مفتوحة للأقارب والجيرة على أساس روابط اجتماعية قوية وحميمية، والأهم من ذلك أنني لم ابتعد عن أشقائي وكنت ملازمة لهم في حركاتهم وسكناتهم.
على شاطئ البحر قضيت أجمل الأوقات، وكان طقساً يومياً أن امشي على الرمال وأجمع الأصداف، وأحيانا أجرب السباحة، واذكر أنني في إحدى مغامراتي البحرية أوشكت على الغرق لولا أنهم أنقذوني في آخر لحظة، وما أذكره أيضا أنني تعرفت على رجل بريطاني وزوجته وكانا حديثي الزواج، كنت التقيهما كل يوم على الشاطئ،
وفي أحد الأيام كان الزوج يمارس هوايته في السباحة وذهب بعيدا داخل البحر، انتظرناه طويلا إلى أن شارفت الشمس على المغيب، وأمام قلق زوجته وجدت نفسي اركض تجاه بيتنا لأخبر أبي بما حدث، وبعد جهد عاد أبي ومعه جثة الرجل وكانت منتفخة جدا، وقتها لم تجد الزوجة أحد سواي لتحتضنه وهي تبكي بحرقة، ومع حوادث البحر هذه إلا أنني لم أحد عن حبي له ولرماله الناعمة على شاطئه.
مارست جميع الألعاب الشعبية التي كانت معروفة لنا في تلك الفترة مثل الحبل والمربعات والكوك والتيلة والمراجيح والعاب الصبيان التي يخترعونها بأنفسهم على سبيل التحدي، وكانت والدتي تراقبني بخوف وإعجاب في آن واحد، أما جدتي لأبي والتي كانت تعيش معنا في نفس البيت فقد كانت مرجعية قوية في حكاياتها عن الماضي،
وتأثرت بأسلوبها في السرد وطريقتها في الحكي، إلى جانب تأثري بقوة شخصيتها وجرأتها، أما الأعراس في ذلك الوقت فقد كان لها طعمها الخاص وبهجتها الفريدة خصوصاً لنا نحن الصغار، فلم يكن يعرف وقتها تأجير «النعاشات» في الأفراح، بل كان الأمر متروكا لأهل وجيران وأقارب العروس والعريس، وكانت الفتيات الصغيرات «ينعشن» بأنفسهن كمشاركة حقيقية في الفرح، وتنسحب هذه المشاركات على جميع الأحداث الاجتماعية في المنطقة.
المشاكسة المجتهدة
دراستي الابتدائية كانت في مدرسة قرطبة، لم أكن خائفة من الذهاب إلى المدرسة، بل تأقلمت مع الوضع الجديد بسرعة، وكان تحصيلي الدراسي جيدا في هذه المرحلة، لكنني لا أنسى عقاب معلمة مادة الدين إذ قامت بضربي على قدمي لتقصيري في حفظ إحدى السور، وهذه الطريقة في العقاب ولدت لدي كرها لهذه المعلمة،
والمفارقة أنني تعرضت لظلم بالغ أيضاً من معلمة الدين في المرحلة الثانوية، وامتنعت عن دخول حصتها بالمرة، فقط لأنني دافعت عن زميلاتي الواقعات تحت معاملة سيئة لأمر لا ذنب لهن فيه، وهو أمر له علاقة بأحداث غزو العراق للكويت، لم تكن هذه المرة الأولى التي أدافع فيها عن الطالبات، فقد كنت كذلك في المرحلة الإعدادية،
ولقبتني إحدى المعلمات بمحامية الدفاع، بينما تنبأت أخرى بنجاحي في مهنة المحاماة، وأنا لا أرى للمحاماة دخل فيما فعلت، كل ما هنالك أنني أكره الظلم، ولا أحب رؤية أحد يقع عليه جور حتى ولو كان من معلمة أو ناظرة، وقد كان لجرأتي دور كبير فانا لا أخاف من التصريح بما أشعر به، وعلى هذا تربيت ونشأت برعاية، والدي ومساندة أخوتي لكن أمر دفاعي عن الطالبات كان له رؤية أخرى كزعيمة مشاكسة لا ترهب شيئاً،
وكل معلمة نراها ثقيلة الدم أو تقوم بتعنيف إحدانا، كنت أتولى مهمة الرد عليها بشكل مناسب، وفي إحدى المرات وضعت ثعباناً من البلاستيك لمعلمة الانجليزي، وقد أصابها الفزع والخوف وراحت في نوبة هيستيرية أفاقت منها بسؤال عمن فعل ذلك، وتبرعت إحدى الطالبات بالوشاية عن صديقة لا شأن لها بما حدث، فقمت على الفور واعترفت بأنني الفاعلة،
لكن على الرغم من مشاكساتي الكثيرة فقد كنت مجتهدة في المذاكرة، والتحصيل خصوصا في مرحلتي الإعدادي والثانوي، وكنت ضمن فريق المدرسة في منافسات أوائل الطلبة، كما أنني كنت عضواً دائما في جماعات الصحافة والاجتماعات ومشاركة بشكل أساسي في الأنشطة الرياضية، مارست الجمباز وكرة اليد وكرة الطائرة ونافست مع فريق المدرسة في العاب القوى ضمن دوري المدارس،
وكانت ناظرة المدرسة تثني على اجتهادي في الدراسة وتفوقي وتنصحني بالابتعاد عن مشاكسة المعلمات، اما على نطاق الأسرة فقد كانوا يتفهمون ما أفعله مع قدر من التوجيه والإرشاد، وكانوا يدعمون مشاركاتي في الأنشطة الرياضية وعضويتي في فريق المرشدات حيث كنا ننظم الرحلات، والمهم بالنسبة لهم أنني متفوقة في دراستي واحصل على درجات ترضيهم، فقد كان أشقائي على وجه الخصوص يتابعون دراستي ويؤيدون خطواتي.
مذاكرة أسفل الدرج
دراستي الثانوية كانت في مدرسة زعبيل، وهي مرحلة جديدة في حياتي حيث تعرفت على طالبات من مناطق أخرى مثل السطوة وزعبيل، فقبل الثانوية كانت الصداقات في مدرستي قرطبة وأم سقيم الإعدادية محصورة في بنات المنطقة، ولهذا كان الانفتاح على تعارف جديد مشوباً بالحذر والتوجس، كما أن مسألة الانكفاء على الدراسة كانت هي الأهم عندي،
خصوصاً في الصف الثاني وعملية الاختيار بين العلمي والأدبي لتحديد الأهداف المستقبلية، وبالنسبة لي فقد حسمت الأمر مبكراً بالتخصص الأدبي تأثراً بشقيقي الأكبر جمعة الذي أصبح محامياً، وكذلك مشاركتي في جماعة الصحافة وجماعة الاجتماعيين، أما المواد العلمية فلم تكن تستهويني بما فيه الكفاية،
وتركيزي في الدراسة وتفوقي أهلاني لأن أصبح رائدة الفصل في غياب المعلمات، كما كان لمشاركتي الفاعلة في مجلة الحائط صدى طيب عند المعلمات، كذلك كانت مشاركتي في الإذاعة المدرسية، أما ممارستي للكتابة فهي قصة بدأت معي من المرحلة الابتدائية،
فقد كنت أسجل يومياتي في دفتر مازلت احتفظ به حتى الآن، والكتابة اليومية منحتني قدرة على التعبير بشكل ممتاز، وظهر ذلك في موضوعات التعبير التي كنت أكتبها وأنال عليها درجات كبيرة إضافة إلى شكر وثناء من المعلمة.
أنهيت دراستي الثانوية بمعدل لم أكن راضية عنه، وكنت أود إكمال دراستي في إحدى الجامعات المصرية لولا تخوف الأهل من مشقة الاغتراب، فالتحقت بجامعة الإمارات وكنت قد حددت أهدافي، اما محاماة أو صحافة، واخترت الأخيرة بدعم كبير من إخوتي، كانت الجامعة بالنسبة لي حياة ومرحلة مغايرة تماما عما سبق،
خصوصا عملية الاغتراب والبعد عن الأهل، وبالفعل سارت الشهور الأولى بصعوبة بالغة، وكان السكن الجامعي بحد ذاته جامعة تعلمت منه الكثير، فقد تعرفت على طالبات من أبوظبي ورأس الخيمة، والشارقة وكلباء، ووجدت فوارق في الطبائع والثقافة وغيرها، كنت حذرة في التعاطي مع الأخريات كمستجدة وسط من سبقنني إلى الجامعة،
وهكذا كان حال كل طالبة جديدة، لكنني في العام التالي عدت إلى مشاكساتي وشقاوتي وتزعمت مجموعة من طالبات دبي والشارقة ورأس الخيمة أطلقنا عليها شلة -س-ز وكان همنا أن نصنع مجموعة قوية لا يقترب منها أحد بسوء، لكننا في قاعات المحاضرات كنا نركز في الدروس، ثم انخرطت في الأنشطة الجامعية،
وعلى وجه التحديد في النشاط الصحافي، وقمنا بإصدار جريدة نشرت فيها أول حوار كتبته، كان مع سفير اليمن لدى الدولة، ثم توليت مسؤولية العلاقات العامة بحماية الصحافة، والحق أن الدراسة في الجامعة مرت دون منغصات لولا التعسف الزائد من مديرة سكن الطالبات في تضييق الخناق داخل السكن، ربما كان لديها الحق في بعض الأمور مثل الازعاج والأصوات العالية،
وبالمناسبة هناك من الطالبات من ليس لديهن طموحات دراسية، ولكن ينظرن إلي باستهجان عندما أذاكر، الأمر الذي جعلني أذاكر أسفل الدرج وبعيداً عن أعينهن حتى أبدو في نظرهن الطالبة المشاكسة غير العابئة بالدراسة، حيلة لجأت إليها حتى أواصل دراستي، فهناك الكثيرات ممن تركن الجامعة ولم يكملن.
رياضية تشجع النصر
بعد تخرجي من الجامعة بقيت لمدة عام في حالة استرخاء، ثم تقدمت بأوراقي لجريدة «الاتحاد»، وتم تعيني في مكتب دبي، وقتها سألني مدير المكتب عيسى حميد عن المجال الذي أحب الكتابة فيه فقلت من دون تردد «الرياضة»، كنت جادة في قولي ومفرعة بالفعل بالكتابة في القسم الرياضي، لكنه لم يستجب لطلبي
وأشار أن أغطي الجامعات، لكنني بعد ذلك كتبت في المنوعات والاقتصاد والرياضة، والآن أغطي في الشؤون المحلية، أما شغفي بالتغطيات الرياضية فأنا متأثرة بأشقائي الذين مارسوا الرياضة في نادي النصر، وما زال منهم من يلعب في فريق اليد والطائرة، إضافة إلى أنني مارست الرياضة لسنوات طويلة، وأتابع مباريات كرة القدم بأهمية بالغة، خصوصاً عندما يكون طرفها نادي النصر الذي أشجعه بجنون.
أما تجربتي في جمعية الصحافيين فهي استكمال لحب العمل التطوعي، وقد مارسته في الجمعية لعدة سنوات، وكنت قد حضرت الاجتماع التأسيسي لها ونلت عضويتها، كنت وما زلت نشيطة في تواصلي مع فعاليات الجمعية، وعندما كتبت عن انتخاباتها وأحدثت جدلاً في الساحة، عرض علي دخول الانتخابات ولم أتردد في الدورة الأولى لي،
أما الثانية فقد كنت متوجسة لاطلاعي على أمور ليس لها علاقة بالانتخابات ولا بالعمل التطوعي، ومع ذلك نجحت واستلمت مهمة أمين السر العام مع استاذي محمد يوسف الذي أكن له كل الاحترام، فقد تعلمت على يديه الكثير، كذلك تعرفت من خلال مهامي بالجمعية على شخصيات إماراتية وعربية كثيرة وكونت علاقات جيدة مع بعضهم.
وفي جوانب حياتي الأخرى أنا محبة للموسيقى الكلاسيكية، وأحب آلة العود. وحاولت تعلم العزف عليها لكنني لم أجد الوقت الكافي، وأحب سماع أم كلثوم خصوصاً وأنا أجوب شوارع القاهرة، كذلك أحب سماع عبادي الجوهر، أما السفر فهو من الأساسيات في حياتي، وبعيداً عن سفرات العمل فرحلات الاستجمام مهمة جداً لأستعيد نشاطي وحيويتي.
مهتمة بقضايا الوطن
يقول محمد يوسف: عرفت منى أبو سمرة من خلال نشاطها المتميز في العمل التطوعي في جمعية المسرحيين، وقبل ذلك كصحافية مواطنة تعد من القليلات اللائي عملن في تغطية الأخبار المحلية والمؤسسات الخدمية، على عكس الكثيرات ممن يفضلن العمل في الأقسام الثقافية وتغطية الفعاليات النسائية فقط، وكانت من أكثر أعضاء الجمعية حركة ونشاطاً وأثبتت كفاءتها بحضورها الفاعل في مختلف فعاليات الجمعية،
وهذا شجعنا لنتوسم فيها خيراً بانضمامها إلى مجلسنا المنتخب، وكنت شجعتها على خوض غمار المشاركة في انتخابات الجمعية، ولأن ثقتنا في إمكاناتها كبيرة جداً أوكلنا إليها أمانة السر وقامت بواجبها على أكمل وجه، ثم شاركت في صندوق التكافل الاجتماعي بالجمعية وتولت المسؤولية كرئيسة له، وهو صندوق يقدم خدمات جليلة للصحافيين،
كما أن لمنى أبو سمرة تجربة جيدة في خوض انتخابات المجلس الوطني وكان لنا دورنا في دعمها وتشجيعها من باب المشاركة بغض النظر عن مسألة الفوز من عدمه، وأعتقد أن تجربتها في انتخابات جمعية الصحافيين قد أفادتها وشجعتها على المشاركة في انتخابات المجلس الوطني، كذلك يحسب لها ولعها بالعمل التطوعي الذي تؤديه بكل إخلاص.
ويقول محمد المنجي: عرفت منى أبو سمرة كأول زميلة في مجال الصحافة من خلال تغطيتنا لكليات التقنية، كنت وقتها في جريدة «الخليج» وجديداً على العمل الصحافي وعلى الساحة الإماراتية أيضاً، وكان لها دور كبير في مساعدتي في المجال الصحافي وتسهيل التواصل مع المصادر، وبعد أن انتقلت إلى جريدة «الاتحاد» كان لها دورها أيضاً في هذا الانتقال،
وشكلنا سوياً أفضل ثنائي في قسم التحقيقات سواء في الجريدة الرئيسية أو ملحق دنيا، ووجدتها إنسانة قوية لديها شخصية القيادي الناجح، كذلك لمست عندها اهتمامها بقضايا المواطن والمواطنة والمحافظة على الهوية، كما أن العمل التطوعي يمثل جانباً كبيراً من اهتماماتها وتؤديه بمتعة وإخلاص، ومع منى اختلفت كثيراً ولكن كان اختلافنا يصب في مصلحة العمل فقط، وأراها صحافية نشيطة لديها طموحات وأهداف كبيرة وتعمل على تحقيقها بجد واجتهاد.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق