جريدة الخليج
لم تكن الإمارات العربية ملجأ للسودانيين من فراغ، فطبيعة العلاقة بين الطرفين، تختلف عن أي علاقة بدولة أخرى، ويعود الفضل في ذلك، للمغفور له، بإذن الله، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، رحمه الله، الذي هيأ بيئة صالحة لنمو هذه العلاقة وتطورها، ودفع بمشاريع ومساعدات عينية ومادية، شكلت أرضاً خصبة لإنبات علاقة متميزة بين السودان والإمارات .
بدأت هذه العلاقة الفريدة والمتميزة منذ مطلع سبعينات القرن الماضي، في مناخ صالح ابتدره الشيخ زايد، بمشروع طريق هيا بورتسودان، الذي يربط ولايات السودان المختلفة بمينائها الرئيسي، ثم توالت المشاريع بأريحيتها المعروفة مع تبادل الخبرات، ليتأسس عقل جمعي لدى السودانيين، يؤكد علاقة حب واحترام متبادل مع شعب الإمارات .
وانعكست الأيادي البيضاء للشيخ زايد على العلاقة المستقبلية بين دولتي السودان والإمارات ايجابياً، لتبين تلك العلاقة انحيازاً، لا يخفى على كثيرين، أسهم في جذب اهتمام ودعم القيادات الإماراتية بعد المغفور له بإذن الله الشيخ زايد، رحمه الله، للسودان، خاصة في مجالات الاقتصاد والاستثمار .
ومنذ العام ،1971 وبفضل قيادة الأب الروحي الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، رحمه الله، ظلت المشاريع التي يستمر ريعها حتى الآن، دليلاً على شخصية حكيم العرب التي تجاوزت بتأثيرها الحدود الاقليمية والإفريقية، واستطاعت أن تزرع في إنسان السودان، وفاء نادراً للشيخ زايد وأبنائه وقيادات دولة الإمارات، التي سارت على نهجه .
ومنذ ذلك التاريخ، وكأنما إيقاع ثابت يسيرها على منوال، ظلت العلاقة بين الدولتين قدوة في اتزانها وحيادتها، تحفها قيم نبيلة، وتحتفظ بروابط وشيجة، وفقاً لما قال به كثيرون من المستطلعين في الخصوص .
يقول حسن العسيلات مدير مشروع زايد الخير للخليج: إن اسهامات الشيخ زايد بدأت منذ طريق هيا بورتسودان، واستمرت بعد ذلك في كثير من مناحي الحياة، وأجمل ما في الأمر أن سياسة دولة الإمارات بعد رحيل زايد اختطت المنهج ذاته ولم تحد عنه، وكثيرمن المشاريع الإماراتية في السودان التي دفع بها مواطنون إماراتيون أطلقوا عليها اسم الشيخ زايد تيمناً بتاريخ الرجل وإسهامه المعروف، ويشير العسيلات إلى مشروع سد مروي الذي اسهمت فيه الإمارات ليس كآخر مشروع، ولكن بين دفتي المشروعين التاريخين جرت مشاريع كثيرة ومساهمات عديدة يصعب إحصاؤها .
ويرى آخرون أن رسوخ هذه العلاقات وبلوغها أوج عظمتها جاء بعد عام واحد من نشأة دولة الاتحاد، إذ اختار المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، أن تكون أو زيارة له خارج بلاده بعد توليه زمام الحكم بعام واحد إلى السودان في فبراير/شباط عام ،1972 للاستعانة بسواعد أبنائه وأشقائه في تأسيس دعائم الدولة الحديثة، حيث تحصلت على الخبرات والكفاءات السودانية المطلوبة في التخصصات كافة، وانصب جعفر محمد نميري، والتي شملت مجالات الاقتصاد والتعاون الفني والثقافي والتبادل الإعلامي . كما قدمت حكومة دولة الإمارات وصندوق أبوظبي للإنماء الاقتصادي قروضاً ومساعدات للسودان في عدد من المشروعات الحيوية شملت مجالات الطرق والسكك الحديدية ومصانع الغزل والنسيج، ودعم ميزان المدفوعات .
ثم توالت بعد ذلك، وعلى مختلف حقب الحكم في السودان، المشاريع الاقتصادية، مرتكزة على تلك القديمة، وتم توقيع اتفاقات جديدة مثل اتفاقية التعاون في مجال النقل الجوي وتنشيط شركة السودان والإمارات وشراكة الإمارات في معرض الخرطوم الدولي، ودخل المستثمرون الإماراتيون برغبة مستندة إلى خلفية الأساس المتين الذي وضعه الشيخ زايد، في مجالات وآفاق جديدة مثل مجال النفط والتعدين والتصنيع، لتشكل هذه المجالات أنموذجاً في البلدين بفضل المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، رحمه الله، الذي كان يولي العلاقات مع السودان أهمية خاصة
وحسب وزير الاستثمار السوداني الدكتور مصطفى عثمان إسماعيل، فإن العلاقات بين السودان والإمارات شهدت في الفترة الأخيرة تطوراً متسارعاً، يسعى نحو تحقيق الشراكة الاقتصادية، ويدلل على حجم تلك العلاقة بقفز التبادل التجاري بين البلدين إلى نحو ملياري دولار، بما يمثل ارتفاعاً بنسبة 600% .
ومن بين المشروعات المتميزة قاعة الشارقة التي بدأت أعمال تشييدها في عام ،1983 وتم افتتاحها في العام ،1987 بحضور صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، وعدد من المفكرين والعلماء في إطار دعم سموه الدائم لجامعة الخرطوم والجهود التي بذلت للارتقاء بالعلاقات الأخوية بين الجانبين .
ويمتد هذا العطاء من تأسيس الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، إلى رعاية الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، وصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، لتقطع أشواطاً في مجالات التواصل الإنساني، والتعاون القضائي، وفي مجالات متنوعة وريادية، تلامس المواطن السوداني .
يقول السفير حسن الشحي سفير دولة الإمارات في السودان، إن مجالات التعاون بين البلدين قديمة، حيث تأسست أول شركة عام ،1975 هي شركة الإمارات والسودان للاستثمار، ولها عدة مشروعات وكانت الشركة الأم لعدة شركات خرجت، منها شركة الإمارات والبحر الأحمر للاستثمار، أما جانب التواصل الانساني فقد وصلت من الإمارات للسودان، مساعدات مقدرة على مدى السنوات الماضية، خاصة المساعادات الإنسانية لدارفور .
وفي حوار سابق مع الخليج، قال محمد حسين الشعالي وزير الدولة للشؤون الخارجية السابق في دولة الإمارات، ان التقارب في العلاقات الإماراتية والسودانية واضح، فهي علاقات تاريخية منذ أيام الراحل الشيخ زايد الذي كان يكن شعوراً خاصاً للسودان، وانتقلت العلاقات الآن من مرحلة العون إلى مرحلة جديدة هي الاستثمار، فالعون مداه قصير، أما الاستثمار فيستفيد منه السودان مستقبلاً .
ومن أهم المجالات التي انتبه إليها الشيخ زايد، الزراعة التي تأتي كمجال مهم وضخم للاستثمار في السودان، وأكبر مشروع للقطاع الخاص هو مشروع زايد الخير، الذي يشكل نموذجاً لمبادرات أبناء الدولة الذين حذوا حذو شيخ العرب وحكيمهم، وأطلق عليه اسم زايد الخير، تيمناً بالشيخ زايد، رحمه الله، والمشروع في منطقة الجزيرة، ويشتمل على زراعة 40 ألف فدان وهي مساحة ليست بسيطة .
وفي السياق، توزع هيئة الهلال الأحمر في دولة الإمارات الكفالات على أكثر من من 1400 يتيم، بتكلفة تقدر ب274 ألف دولار، وتشارك جمعية الشارقة الخيرية في العطاء، ومن بين المشاريع الأخرى، محطات المياه التي نفذتها المؤسسة في ولاية شمال دارفور في محليات الفاشر ومليط وكتم والواحة، بتمويل من مؤسسة محمد بن راشد للأعمال الخيرية الإنسانية .
وتعد زيارة الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، عام 1972 للسودان، نقطة مهمة، حيث لا يزال صدى هذه الزيارة، التي جاب فيها كثيراً من أقاليم السودان المختلفة، يتردد هنا في السودان، وقد درجت وزارة الإعلام السودانية من أرشيفها على نشر صور من هذه الزيارة بين الفينة والأخرى على صفحات بعض الصحف السودانية، كما أن كثيراً من الذين عاصروا تلك الفترة من المسؤولين السودانيين يذكرون من خلال ذكرياتهم انطباعات طيبة عن تلك الزيارة .
ومن بين المشاريع التي أتت عقب تلك الزيارة، وديعة لبنك السودان المركزي لمدة عام بقيمة 10 ملايين دولار، ومنحة الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان ب94 مليون دولار لتمويل طريق هيا سواكن بورتسودان، وتم افتتاحه في العام ،1979 ثم قروض لمشاريع كثيرة مثل مشروع غزل الحاج عبدالله ،1976 سكك حديد السودان ،1977 ومطار الخرطوم عام 1980 .
والتفت الإمارات إلى مجال آخر، هو دعم العديد من المؤسسات الإنسانية مثل مؤسسة خليفة الخيرية، وهيئة الهلال الأحمر الإماراتي، ومؤسسة محمد بن راشد الخيرية، ومؤسسة زايد للأعمال الانسانية، وغيرها من المساعدات الانسانية الكبيرة التي تصل للمحتاجين في بقاع السودان كافة، مثل دارفور وكسلا والجزيرة وغيرها من مناطق السودان الأخرى .
وتتنوع أشكال هذه المساعدات، فعلى سبيل المثال لا الحصر هنالك برامج رمضان السنوية من إفطار للصائمين وزكاة فطر وكسوة عيد وكفالة أيتام وتوزيع تمور، وهنالك المخيمات العلاجية مثل المستشفى المتنقل ومخيمات علاج العيون، وإقامة مؤسسات تعليمية ودور عبادة ومنشآت بمبادرات فردية ورسمية، علاوة على المعونات الطارئة التى ظلت تقدمها الدولة فى الظروف الاستثنائية، مثل كوارث السيول والفيضانات، وآثار النزاعات والحروب من نزوح ولجوء، التي تتضمن الدعم العاجل وبرامج إعادة الإعمار .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق