على مدار الأعوام التالية لثورة 25 يناير/كانون الثاني في مصر، تغير المشهدان الإعلامي والسياسي بشكل جذري.
ومع حلول الذكرى الخامسة للثورة، يرصد قسم التابعة الإعلامية مآل بعض رموز الحراك الذي أسفر عن الإطاحة بالرئيس السابق حسني مبارك من سدة الحكم.
يقبع الكثير منهم في السجون أو يعيشون في الخارج. واقتصر نشاط آخرين على مواقع التواصل الاجتماعي، بينما تعتقد قلة منهم أن الثورة لا تزال أمامها فرصة.
يمثل وائل غنيم تيارا من النشطاء الذين لجأوا للعيش خارج مصر.
وبعد أن كان غنيم رمزا للثورة، يواجه دعوى قضائية تطالب بحرمانه من جنسيته المصرية.
يعتبر غنيم مطلق شرارة الانتفاضة، إذ أنه مؤسس صفحة "كلنا خالد سعيد" على فيسبوك التي دعت لمظاهرات في يناير/كانون الثاني عام 2011.
وغادر البلاد بعد رحيل مبارك، وظل بعيدا عن الأضواء.
وقال غنيم أثناء مشاركته في مؤتمر لمؤسسة "تيد" في ديسمبر / كانون الأول الماضي: "للأسف الأحداث بعد الثورة كانت بمثابة صفعة شديدة، فقد خبت حالة النشوة".
وأضاف: "فشلنا في بناء (حالة) إجماع، والصراع السياسي أسفر عن استقطاب محتدم...ووصل الاستقطاب إلى ذروته بين القوتين الرئيسيتين: الجيش وأنصارهم والإسلاميون، وشعر من هم في الوسط، مثلي، بقلة حيلة".
وزاد الوضع سوءا بالنسبة لغنيم بعد الإطاحة بالرئيس السابق محمد مرسي، المنتمي لجماعة الإخوان المسلمين.
وأشار غنيم إلى أنه "عندما أطاح الجيش بأول رئيس منتخب ديمقراطيا في مصر إثر احتجاجات واسعة استمرت على مدار ثلاثة أيام وطالبت باستقالته، قررت إلتزام الصمت".
"كانت لحظة هزيمة، وإلتزمت الصمت لأكثر من عامين"، بحسب ما قاله غنيم، الذي يعيش حاليا في الولايات المتحدة، وبدأ يخرج عن صمته في عام 2015، محافظا على موقفه المعارض للنظام.
نشطاء سجناء
سُجن المدون علاء عبد الفتاح العام الماضي لخمسة أعوام بعد محاكمته بعد اتهامه بتنظيم مظاهرة عام 2013.
وكان عبد الفتاح من الشخصيات الليبرالية البارزة في ثورة 2011، وحظي بشهرة كمعارض لمحاكمة المدنيين عسكريا.
ومنذ سجنه، تحظى الحملات المطالبة بإطلاق سراحه بشعبية على مواقع التواصل الاجتماعي.
تحدثت بي بي سي مع ليلى سويف، والدة علاء عبد الفتاح، عن مشاعر ابنه قبيل الذكرى الخامسة للثورة.
وقالت: "في الوقت الحالي، يشعر بالأسى الشديد لابنه وعائلته، وما يحدث في البلاد"، مضيفة "مصر تشهد حاليا زيادة في القمع وانتهاكات حقوق الإنسان".
ووصفت سويف، وهي ناشطة يسارية معروفة، حال النشطاء "جميع رموز الثورة إما سجناء أو خائفين، وآخرون غادروا البلاد فارين من القمع".
وأضاف: "لم تتحق أي من أهداف ثورة 25 يناير، فالنظام الحالي أسوأ ما شهدته مصر".
ومن النشطاء البارزين الآخرين الموجودين في السجن حاليا، أحمد دومة الذي لعب دورا بارزا في ثورة 2011.
وصدر حكم بالسجن المؤبد على دومة بتهم إثارة الشغب والتحريض على العنف والهجوم على قوات الأمن.
وقالت نورهان حفظي، زوجة دومة، لبي بي سي إنه "محبط بعدما قضى عامين في السجن" وإنه يعتقد أن ثورة 2011 "تواجه انتكاسة خطيرة".
وأضافت أن دومة لا يزال يؤمن بـ"حلم التغيير".
"هناك أجيال لا تزال تؤمن بدومة ورفاقه، لم يتحقق أي من أهداف الثورة باستثناء أن المصريين أصبحوا أكثر وعيا بحقوقهم".
نشاط على الانترنت
ومن الوجوه الأخرى التي برزت خلال الثورة المصرية، إسراء عبد الفتاح، التي شاركت في تأسيس حركة 6 أبريل.
واختارت مجلة "أرابيان بيزنيس" عبد الفتاح ضمن أكثر 100 امرأة عربية تأثيرا، وكانت مرشحة لجائزة نوبل للسلام عام 2011.
وتقول إسراء إنه بعد خمسة أعوام من الثورة، "بعض الناس يعتبرونا خونة وعملاء".
وحملت الإعلام المحلي مسؤولية تشويه صورة رموز 25 يناير/كانون الثاني وتصوير الثورة كـ"مؤامرة قوضت من استقرار مصر".
وأوضحت أنها لم تختف تماما، فهي لا تزال "نشطة على وسائل التواصل الاجتماعي".
وقالت: "المناخ السياسي لا يناسب ممارسة السياسة، فهو مناخ قمعي".
"ما يحدث الآن هو إعادة نظام مبارك، حسبت أن النظام الحالي سيجري إصلاحات، ولكني كنت ساذجة".
لكن عبد الفتاح أكدت أنها "لا تطالب برحيل النظام الحالي، فهي لا ترى بديلا له في اللحظة الحالية، ولكني أريد تصحيح المسار والعودة إلى أهداف ثورة يناير، وتحديدا العيش والحرية والعدالة الاجتماعية".
ويستخدم الصحفي وائل عباس الانترنت للكشف عن انتهاكات حقوق الإنسان ووحشية الشرطة في مصر.
ويعتبر عباس من بين أكثر المدونين السياسيين تأثيرا في مصر، ويستخدم وسائل التواصل الاجتماعي لحشد المتظاهرين.
وقال لبي بي سي إنه "ينتظر معجزة".
"السلطة الحاكمة تقمع أي شخص لديه وجهة نظر معارضة، والمؤسسة العسكرية تحكم مصر الآن، وتطبق سياسات اقتصادية سيئة."
وأضاف: "هذا النظام يحكمنا بالسلاح".
وأشار عباس إلى أن تأثير وسائل التواصل الاجتماعي تراجع منذ 2011.
وقال إنها "فعالة في القضايا الاجتماعية أكثر من القضايا السياسية"، مشيرا إلى أن "وسائل التواصل الاجتماعي في مصر أصبحت ميدانا للتلاسن بين ثلاث مجموعات، وتحديدا المعارضة وأنصار النظام ومؤيدي الإخوان المسلمين".
ويعتقد نشطاء آخرون أن هناك بعض الأصوات لا تزال في وسائل الإعلام المحلي تدافع عن أهداف الثورة.
ومن بين هؤلاء خالد تليمة، وهو أحد من برزوا خلال الثورة ويعمل حاليا مقدم برامج على قناة "أون تي في" الخاصة.
وكان تليمة من المؤسسين للتيار الشعبي المعارض، واختير نائبا لوزير الشباب عام 2013.
ويقول تليمة: "إيماني بالثورة لا يتزعزع، فالثورة كانت ضرورة لتحسين حال البلاد، فهي كانت السبيل الوحيد لتعزيز الحريات والديمقراطية".
وأضاف: "النظام الحالي يفكر أن الحريات والديمقراطية نقيض التقدم".
وأعرب عن اعتقاده بأن أي من أهداف الثورة لم يتحقق، "فلا زالت هناك قضايا تتعلق بالحريات، وسنظل نطالب بتحقيقها".
وقال: "لا تزال ثورة يناير لديها صوت في الإعلام المحلي، والثوار يدافعون عن أهدافها الوطنية لتحسين حال البلاد".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق