الخطبة الأولى
الحمد لله الذي جعل في اجتماع الأسرة مودة ورحمة، ومحبة وألفة، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبد الله ورسوله، فاللهم صل وسلم وبارك على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فأوصيكم عباد الله ونفسي بتقوى الله تعالى وندعوه :( ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما).
أيها المسلمون: إن الأسرة نعمة عظيمة امتن الله عز وجل بها علينا، فقال سبحانه:( والله جعل لكم من أنفسكم أزواجا وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة). ومن شكر هذه النعمة الجليلة أن نوليها العناية، ومن استرعاه الله تعالى رعية لزمه أن يحوطها بالنصيحة والرعاية. والأسرة من أهم ما يجب أن يحافظ عليه المرء، ففيها استقراره وراحته، وهناؤه وسعادته، وقد دأب الأنبياء والصالحون لأسرهم ينصحون، ولأبنائهم يوجهون، فهذا لقمان الحكيم يسدي لابنه النصيحة تلو الأخرى، فيذكره بقدرة الله تعالى، ليعزز إيمانه به، ومراقبته له سبحانه، فقال:( يا بني إنها إن تك مثقال حبة من خردل فتكن في صخرة أو في السموات أو في الأرض يأت بها الله إن الله لطيف خبير). وأمره بالصلاة وصالح الأعمال؛ ليكون فردا ناجحا في حياته، إيجابيا في مجتمعه، ومن واجب الآباء والأزواج أن يجلسوا إلى أسرهم وأولادهم فيسمعوا منهم، وينصحوهم ويصححوا لهم الأفكار والمفاهيم.
عباد الله: الجلسة العائلية من أنجح الوسائل التربوية، ففيها التقارب الروحي، والاطمئنان النفسي، والتلاحم الأسري، ولها صور عديدة كالجلسة في البيت حول مائدة الطعام، وكم لهذه الجلسة من أثر في حلول البركة، فقد قالوا: يا رسول الله إنا نأكل، ولا نشبع. قال صلى الله عليه وسلم :« لعلكم تتفرقون؟». قلنا: نعم. قال:« اجتمعوا على طعامكم، واذكروا اسم الله عز وجل يبارك لكم فيه».
ومن صور الجلسات العائلية أن يفرغ الأب جزءا من وقته للجلوس مع زوجته وأولاده بشكل دوري، فيتذاكروا ويتحدثوا في شؤون الأسرة ومسؤولياتها.
أيها الآباء: هل للجلسات العائلية من فوائد؟ نعم إن للجلسات العائلية فوائد كثيرة، فتجمع العائلة في حد ذاته أمر طيب وحسن، خاصة إذا عقد بأجواء تسودها المشاعر الأسرية الدافئة: من حب وتلطف وحنان، فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجلس إلى أسرته ويستمع إليها، قال ابن عباس رضي الله عنهما: بت عند خالتي ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم فتحدث رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أهله ساعة ثم رقد. وكان صلى الله عليه وسلم يجلس إلى ابنته فاطمة رضي الله عنها، فكانت إذا دخلت عليه قام إليها فأخذ بيدها، وقبلها، وأجلسها في مجلسه، وكان إذا دخل عليها قامت إليه، فأخذت بيده فقبلته، وأجلسته في مجلسها.
ومثل هذه الجلسات العائلية تزيد التقارب، وتجعل الأسرة تدرك اهتمامات الزوج، ومشاغله وطرق تفكيره، ويتعرف الرجل على تفكير أبنائه وزوجته واهتماماتهم، فتقوى أواصر الترابط، وتكتسب الأسرة الكثير من الفوائد النفسية، والاستقرار العاطفي؛ لأن بيت المودة يبنى على المحبة والمجالسة والتحاور، ويشاد بالكلمة الطيبة، والخلق الكريم، والقدوة الحسنة، وتجاوز الأخطاء والهفوات، فلا ينسحب فرد من الأسرة لكثرة مشاكلها، بل يندمج فيها، ويتحد معها.
وفي الاجتماع الأسري تدريب للأبناء على الحوار، وطرح الآراء أمام الآخرين منذ الصغر، وإعطاء البنات الفرصة للتعبير عن طموحاتهن وشعورهن والمشاركة برأيهن، وتعزيز انتمائهن الأسري مع إخوتهن الذكور، وإذكاء روح المسؤولية، وثقافة العمل الجماعي، والتعود على الشفافية، في أجواء تملؤها السعادة والطمأنينة، لبناء مجتمع أكثر تجانسا وانسجاما، مليء بالحب والألفة والمودة.
وفي أجواء الجلسات العائلية تنتقل الخبرات عبر الأجيال، وتصحح المفاهيم الخاطئة التي قد يلتقطها الأبناء، وتلبى حاجاتهم الملحة، وتقدم لهم التوعية في ظل المتغيرات المتسارعة، ويتبادلون وجهات النظر حول كثير من القضايا وشؤون الوطن والعمل، والمدرسة والأسرة.
وهذه الجلسات فرصة ثمينة لترسيخ القيم النبيلة، وربط الأبناء بالعادات والتقاليد الأصيلة، وتعليمهم مكارم الأخلاق والآداب، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستثمرها في التوجيه والتهذيب، والتعليم والتأديب، فيقول صلى الله عليه وسلم لغلام يأكل معه:« يا غلام سم الله، وكل بيمينك، وكل مما يليك».
ويذكر القرآن الكريم تعليم لقمان الحكيم لابنه، قال الله عز وجل:( ولا تمش في الأرض مرحا إن الله لا يحب كل مختال فخور* واقصد في مشيك واغضض من صوتك).
وفي الجلسة الأسرية يعالج الأب الخلافات التي قد تظهر بين الأبناء، ويبعدهم عن الاقتراب من أسبابها، فيتعزز التماسك العائلي والمجتمعي.
فاللهم اجعل أزواجنا وذرياتنا مصدر سعادة لنا، وأدم المودة والرحمة في بيوتنا، ووفقنا لطاعتك أجمعين، وطاعة رسولك محمد صلى الله عليه وسلم وطاعة من أمرتنا بطاعته، عملا بقولك:( يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم).
نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم،
وبسنة نبيه الكريم صلى الله عليه وسلم.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم،
فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبد الله ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين وعلى أصحابه أجمعين، وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فيا أيها المصلون، إن أهم ما نتواصى به تقوى الله عز وجل، وتشجيع أفراد الأسرة على الجلسة العائلية؛ لما فيها من توطيد لصلة الرحم، وهذا على مستوى الأسرة الواحدة في البيت الواحد، وكذلك الأمر بالنسبة للأقارب والأرحام؛ باغتنامهم الوقت في اجتماعهم يوم الجمعة جميعا، فينشأ الصغار على هذا الترابط والتعاون الذي يرونه أمامهم بين أفراد المجتمع، قال الله تعالى:( وتعاونوا على البر والتقوى).
فيا أيها الآباء: هل تجلسون مع أسركم: من زوجة وأبناء وبنات بشكل منتظم؟
ويا أيها الأبناء: هل تساعدون آباءكم وأمهاتكم على إقامة الجلسات العائلية، وتواظبون على حضورها؟
هذا وصلوا وسلموا على من أمرتم بالصلاة والسلام عليه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:« من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشرا». اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
اللهم اجعلنا ذخرا لأسرنا، وسندا لأبنائنا يا رب العالمين.
اللهم ارحم شهداء الوطن وقوات التحالف الأبرار، وأنزلهم منازل الأخيار، وارفع درجاتهم في عليين مع النبيين والصديقين، يا عزيز يا كريم.
اللهم اجز خير الجزاء أمهات الشهداء وآباءهم وزوجاتهم وأهليهم جميعا، اللهم انصر قوات التحالف العربي، الذين تحالفوا على رد الحق إلى أصحابه، اللهم كن معهم وأيدهم، اللهم وفق أهل اليمن إلى كل خير، واجمعهم على كلمة الحق والشرعية، وارزقهم الرخاء يا أكرم الأكرمين.
اللهم انشر الاستقرار والسلام في بلدان المسلمين والعالم أجمعين.
اللهم ارض عن الخلفاء الراشدين: أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن سائر الصحابة الأكرمين.
اللهم إنا نسألك من الخير كله، عاجله وآجله، ونسألك الجنة لنا ولوالدينا، ولمن له حق علينا، وللمسلمين أجمعين.
اللهم وفق رئيس الدولة، الشيخ خليفة بن زايد، وأدم عليه موفور الصحة والعافية، واجعله يا ربنا في حفظك وعنايتك، ووفق اللهم نائبه وولي عهده الأمين لما تحبه وترضاه، وأيد إخوانه حكام الإمارات.
اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات، اللهم ارحم الشيخ زايد، والشيخ مكتوم، وشيوخ الإمارات الذين انتقلوا إلى رحمتك،وأدخل اللهم في عفوك وغفرانك ورحمتك آباءنا وأمهاتنا وجميع أرحامنا ومن له حق علينا.
اللهم إنا نسألك المغفرة والثواب لمن بنى هذا المسجد ولوالديه، ولكل من عمل فيه صالحا وإحسانا، واغفر اللهم لكل من بنى لك مسجدا يذكر فيه اسمك، أو وقف وقفا يعود بالخير على عبادك، أو تنتفع به ذريته من بعده.
اللهم اجعل جمعنا هذا جمعا مرحوما، واجعل تفرقنا من بعده تفرقا معصوما، ولا تدع فينا ولا معنا شقيا ولا محروما.
اللهم احفظ دولة الإمارات من الفتن ما ظهر منها وما بطن، وأدم عليها الأمن والأمان يا رب العالمين.
ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار.
اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم اسقنا من بركات السماء، وأنبت لنا من بركات الأرض.
عباد الله:( إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون).
اذكروا الله العظيم يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم ( وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون).
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق