الخطبة الأولى
الحمد لله الملك الواحد، العظيم الماجد، عالم بالنوايا والمقاصد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبد الله ورسوله، فاللهم صل وسلم وبارك على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فأوصيكم عباد الله ونفسي بتقوى الله، قال سبحانه وتعالى:( واتقوا الله واعلموا أن الله بما تعملون بصير).
أيها المسلمون: إن الحياة ميدان عمل وكفاح، وتفاؤل ونجاح، ولا تخلو من عسر ويسر، ومتاعب وشدائد، قال سبحانه:( لقد خلقنا الإنسان في كبد). أي: في شدة وعناء من مكابدة الدنيا. ولكن الإنسان الإيجابي المثابر ينظر إلى الجانب المضيء في كل شيء مستبشرا بالخير، فينتقل بالتفاؤل والأمل إلى التفاعل والعمل؛ وهذا ما حثنا عليه النبي صلى الله عليه وسلم فقال:« إن قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة، فإن استطاع أن لا تقوم حتى يغرسها فليغرسها». لأن الاستكثار من غرس فسائل الخير ينتفع به الوطن والمجتمع، ويكون الإنسان إيجابيا في حياته، فالإيجابية هي اكتساب الصفات والمهارات النفسية والعملية التي تحقق السعادة للمرء وللآخرين، وتمكنه من التغلب على الضغوط، وحسن التعامل مع الظروف، والاستثمار الجيد للواقع، وصناعة المستقبل الزاهر، والابتعاد عن كل ما يجلب اليأس والمعاني السلبية؛ فمن الإيجابية أن لا يستمع المرء للمثبطين الذين يعوقون الناس عن كل خير، وقد ذم النبي صلى الله عليه وسلم من يشيع روح اليأس والسلبية في الناس، فقال صلى الله عليه وسلم :« إذا قال الرجل: هلك الناس. فهو أهلكهم». لأنه قنطهم من رحمة الله، وأيأسهم من غفرانه. فمصاحبة الإيجابيين تحفز الهمة، وتدل على الصواب، وتشجع على العمل، فيحافظ المرء على تقدمه، وإنجاز طموحاته.
عباد الله: ما أجمل التحلي بالإيجابية في القيام بمهام البناء الحضاري وواجباته؛ على مستوى الأفراد والمجتمعات، وقد حفز القرآن الكريم الحس الإيجابي، الذي يرفع طاقة الإنسان لتحقيق أهدافه النبيلة، فأول مستويات الإيجابية أن يكون المرء إيجابيا مع نفسه، يسعى لتطويرها ورقيها، ويتحلى بأحسن الخصال؛ قال تعالى:( قد أفلح من زكاها). أي: بطاعة الله، وطهرها من الأخلاق السيئة. فالإيجابية تثير روح التحدي، فلا تستوقفنا الصعوبات، ولا تمنعنا المعوقات، فقد كان الإمام الترمذي صاحب السنن أعمى، ولكنه أوتي من الإيجابية ما تخطى به حاجز الإعاقة، حتى صار من أكابر علماء الحديث وحفاظه. قال الشاعر:
ولم أر في عيوب الناس عيبا كنقص القادرين على التمام
وعزز النبي صلى الله عليه وسلم في أصحابه رضي الله عنهم طلب معالي الأمور وكمالها ابتغاء الرقي بأنفسهم وأعمالهم، فقال صلى الله عليه وسلم:« فإذا سألتم الله فاسألوه الفردوس، فإنه أوسط الجنة وأعلى الجنة».
أيها المصلون: إن الحل الأمثل للمشكلات يكمن في إيجابية التعامل معها، وتفهم أخطاء الآخرين، فننصح الناس بالحسنى، ونوجه الأبناء للأفضل، ونذكر الناسي، ونعلم الجاهل، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلم أصحابه ذلك؛ فعن عباد بن شرحبيل رضي الله عنه قال: أصابني فقر وجوع، فدخلت بستانا من بساتين المدينة ففركت سنبلا، فأكلت وحملت فى ثوبي، فجاء صاحبه فضربني وأخذ ثوبي، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له:« ما علمت إذ كان جاهلا، ولا أطعمت إذ كان جائعا». فنهاه صلى الله عليه وسلم عن العقوبات السلبية، وأرشده إلى المعالجات الإيجابية العملية.
ومن الإيجابية أن يكون المرء متفائلا في أقواله، فينطق بالكلمات السديدة، والألفاظ الحكيمة، يشجع ولا يثبط، ويبشر ولا ينفر، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :« بشروا ولا تنفروا». فالكلمة الإيجابية لها أهميتها الكبرى، فهي تأخذ بمجامع القلوب، ويبقى أثرها الجميل في النفوس، ويؤجر صاحبها، قال صلى الله عليه وسلم :« الكلمة الطيبة صدقة».
عباد الله: والإنسان الإيجابي يتميز بالأخلاق الفاضلة في التعامل، فيقابل الناس بابتسامة وبشر، ويبث فيهم الأمل والسرور، فقد عاد النبي صلى الله عليه وسلم مريضا، فقال له:« أبشر، فإن الله يقول: هي ناري أسلطها على عبدي المؤمن في الدنيا، لتكون حظه من النار في الآخرة». ففتح له صلى الله عليه وسلم أبواب الأمل حتى ينسى الألم، فما أحسن أن نفتح لأنفسنا أبواب الأمل بإيجابية، فالزوج الإيجابي ينظر دائما إلى الجانب المضيء في زوجته، وكذلك الزوجة مع زوجها؛ لتدوم المحبة بينهما، وكبير السن يعتني بصحته، ويمارس الرياضة، ويجدد نشاطه، ويقبل على الحياة وينعم بها، فقد أدى واجبه، والمتقاعد يستثمر وقته في القراءة والاطلاع، فينفع أبناءه وأحفاده بخبرته، ويمنحهم من عمق ثقافته، ويتقرب إلى الله تعالى بطاعته، وبالمشاركة في الأعمال التطوعية، فلا ينقطع خيره، ولا يقف عطاؤه، والموظف الإيجابي يذهب إلى عمله بانشراح صدر، وتبسم وبشر، ويتقن عمله، فيرضي ربه، وينفع نفسه ووطنه، والمرأة ترعى أولادها، وتحافظ على تماسك أسرتها، وتسعد من حولها.
أيها المسلمون: للإيجابية دورها المهم في المجتمع، وذلك بذكر إنجازات الناس ومآثرهم، وإيجابياتهم ومحاسنهم، فحين سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أحد أصحابه وقد غاب عنه؛ قال بعضهم: ذلك منافق لا يحب الله ورسوله. فقال صلى الله عليه وسلم :« لا تقل ذلك، ألا تراه قد قال: لا إله إلا الله. يريد بذلك وجه الله؟». فدعا النبي صلى الله عليه وسلم إلى النظر إلى الجانب الإيجابي في كل إنسان، وهذا أنجع دواء للغيبة، فهل نحن ممن يتخذون الإيجابية أسلوب حياة؛ ومنهج تعامل؟ اللهم ارزقنا الإيجابية في حياتنا، واهدنا لأحسن الأقوال، وأفضل الأعمال، ووفقنا لطاعتك، وطاعة رسولك محمد صلى الله عليه وسلم وطاعة من أمرتنا بطاعته، عملا بقولك:( يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم).
نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم،
وبسنة نبيه الكريم صلى الله عليه وسلم.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم،
فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبد الله ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين وعلى أصحابه أجمعين، وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فيا أيها المصلون، إن أهم ما نتواصى به تقوى الله عز وجل والحرص على الإيجابية في حياتنا، فإنها من أسباب توفيق الله تعالى وكريم عطائه، فالذين كانوا إيجابيين في طلب الهداية وفقهم الله سبحانه وتعالى لما أرادوا، وزادهم من فضله، قال عز وجل:( والذين اهتدوا زادهم هدى). أي: والذين قصدوا الهداية وفقهم الله لها، فهداهم إليها، وثبتهم عليها، وزادهم منها (وآتاهم تقواهم) أي: ألهمهم رشدهم.
ومن ثمرات الإيجابية أن يظل المجتمع في ارتقاء متنام، وتقدم متزايد، يطمح إلى التميز، ويهدف إلى الفاعلية والبناء، لا توقفه العقبات، يقول الشيخ/ محمد بن راشد آل مكتوم رعاه الله: هل رأيت الصخرة إذا اعترضت ماء يجري هل يقف الماء؟ لا يقف بل يذهب يمينا ويسارا ليتجاوزها، وهكذا الإنسان صاحب الطاقة الإيجابية. فأين نحن من الإيجابية بكافة صورها ومظاهرها ومجالاتها؟ هل نحفز أبناءنا على التعلم بإيجابية؟ وهل ننمي مهاراتهم العلمية والعملية بإيجابية؟ وهل نوطد علاقاتنا الاجتماعية بإيجابية؟ إنها تعيننا على بناء علاقات طيبة مع الآخرين، وتمكننا من المرونة في التعامل معهم، وتدفعنا إلى الأفضل، وتفتح لنا أبواب التفاؤل إلى المستقبل، وتيسر أسباب النجاح أمام صاحب كل طاقة، ورؤية متفائلة؛ للتطوير والإبداع، في كافة المجالات، فالإيجابية تغير وجه الحياة إلى الأفضل.
وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ يقول جل في علاه:( إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما). اللهم اشرح صدورنا، ويسر أمورنا، وزك نفوسنا، وأصلح أعمالنا، وبلغنا آمالنا، وارض عنا يا رب العالمين. اللهم ارحم شهداء الوطن وقوات التحالف الأبرار، وأنزلهم منازل الأخيار، وارفع درجاتهم في عليين مع النبيين والصديقين، يا عزيز يا كريم. اللهم اجز خير الجزاء أمهات الشهداء وآباءهم وزوجاتهم وأهليهم جميعا، اللهم انصر قوات التحالف العربي، الذين تحالفوا على رد الحق إلى أصحابه، اللهم كن معهم وأيدهم، اللهم وفق أهل اليمن إلى كل خير، واجمعهم على كلمة الحق والشرعية، وارزقهم الرخاء يا أكرم الأكرمين.
اللهم انشر الاستقرار والسلام في بلدان المسلمين.
اللهم ارض عن الخلفاء الراشدين: أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن سائر الصحابة الأكرمين.
اللهم إنا نسألك من الخير كله، عاجله وآجله، ونسألك الجنة لنا ولوالدينا، ولمن له حق علينا، وللمسلمين أجمعين.
اللهم وفق رئيس الدولة، الشيخ خليفة بن زايد، وأدم عليه موفور الصحة والعافية، واجعله يا ربنا في حفظك وعنايتك، ووفق اللهم نائبه وولي عهده الأمين لما تحبه وترضاه، وأيد إخوانه حكام الإمارات.
اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات، اللهم ارحم الشيخ زايد، والشيخ مكتوم، وشيوخ الإمارات الذين انتقلوا إلى رحمتك،وأدخل اللهم في عفوك وغفرانك ورحمتك آباءنا وأمهاتنا وجميع أرحامنا ومن له حق علينا.
اللهم إنا نسألك المغفرة والثواب لمن بنى هذا المسجد ولوالديه، ولكل من عمل فيه صالحا وإحسانا، واغفر اللهم لكل من بنى لك مسجدا يذكر فيه اسمك، أو وقف وقفا يعود بالخير على عبادك، أو تنتفع به ذريته من بعده. اللهم اجعل جمعنا هذا جمعا مرحوما، واجعل تفرقنا من بعده تفرقا معصوما، ولا تدع فينا ولا معنا شقيا ولا محروما.
اللهم احفظ دولة الإمارات من الفتن ما ظهر منها وما بطن، وأدم عليها الأمن والأمان يا رب العالمين. ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار.
عباد الله:( إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون)
اذكروا الله العظيم يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم ( وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون).
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق