الجمعة، 11 نوفمبر 2016

العفو والتسامح..خطبة الجمعة اليوم بجميع مساجد الدولة

الخطبة الأولى
الحمد لله الذي أمرنا بالعفو والإحسان، والصفح والغفران، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبد الله ورسوله، أكثر الناس عفوا، فاللهم صل وسلم وبارك على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.  
أما بعد: فأوصيكم عباد الله ونفسي بتقوى الله، قال سبحانه وتعالى:( وأن تعفوا أقرب للتقوى).
أيها المسلمون: إن العفو والتسامح من المبادئ الأصيلة، والأخلاق النبيلة، والقيم الراقية، وقد أمر الله عز وجل بها، فقال سبحانه:( فاعفوا واصفحوا حتى يأتي الله بأمره). وقال تعالى:( فاعف عنهم واستغفر لهم). والعفو هو: ترك المؤاخذة بالذنب، والصفح هو: إزالة أثره من النفس. ووعد الله تعالى العافين عن الناس بجنة النعيم فقال سبحانه:( وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين* الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين). فيا له من جزاء عظيم، وعطاء كريم، لمن عفا وسامح، قال سبحانه:( فمن عفا وأصلح فأجره على الله). أي: لا يضيع أجر ذلك عند الله في الآخرة، ويكرمه الله تعالى بالعزة في الدنيا، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :« ما زاد الله عبدا بعفو إلا عزا».
وما كان هذا الثواب الكبير للعفو والتسامح إلا لعظم أثرهما في المجتمع، فبهما تصفو النفوس، وتتآلف القلوب، وتنتهي الخلافات، فكم أذاب التسامح من جفاء، وجدد من مودة، وأجرى من محبة، بعد قطيعة امتدت لسنوات، فانتهت في لحظة تسامح، لأن الشيطان قد يدخل بين إخوة متحابين متآلفين، فيفسد بينهم، ويوقع العداوة والبغضاء في نفوسهم.
عباد الله: إن مواضع التسامح بين الناس متعددة، ومن أهمها ما قد يقع بين الإخوة، وقد ذكر لنا القرآن الكريم قصة نبي الله يوسف عليه السلام مع إخوته إذ سول لهم الشيطان الكيد لأخيهم، فألقوه في البئر، ثم بيع بدراهم معدودة، ووصفوه بعد ذلك بالسرقة، وهو الصديق العليم، والحفيظ الأمين، وامتد الفراق بين يوسف وأسرته عشرات السنين، وانتهى كل ذلك بمسامحته إخوته حين قال عليه السلام:( لا تثريب عليكم اليوم). أي: لا عتاب ولا لوم، ولا ذكر لذنبكم في حقي بعد ذلك، ثم زادهم وأحسن إليهم، فدعا لهم بقوله:( يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين). ولنا في الأنبياء والمرسلين أسوة حسنة، فيمد الأخ يده إلى أخيه أو أخته بالعفو والتصافح، فإذا تسامح أبناء البيت الواحد؛ نشأ أبناؤهم على التراحم، مقتدين بآبائهم، فما أجمل أن يسود التسامح بين الإخوة والأهل والأقارب والأرحام.
أيها المصلون: إن الزوجين من أولى الناس بالتسامح، والمبادرة إلى التصالح، فالعفو فيما بينهما مطلوب ومرغوب، فربما أخطأ أحدهما بغير قصد فأغضب الآخر، وقد دعا الله تعالى الأزواج للعفو عن زوجاتهم، فقال سبحانه:( وإن تعفوا وتصفحوا وتغفروا فإن الله غفور رحيم). كما حث الله تعالى الزوجة على تذكر ما كان بينهما من مودة ورحمة، ومحبة وألفة، فتحسن المعاملة، فقال عز وجل:( ولا تنسوا الفضل بينكم إن الله بما تعملون بصير). وفي الآية دعوة إلى تذكر المزايا والفضائل، والتجاوز عن الأخطاء، حتى تلين القلوب، وتتآلف النفوس، وتتماسك الأسر، ويتلاحم المجتمع.
أيها المسلمون: قد يقع الخلاف بين الإنسان وأصدقائه أو جيرانه أو شركائه أو غيرهم من أبناء مجتمعه، فيكتمه المرء في نفسه، ويزين له الشيطان قطيعتهم، والبعد عنهم، وأولى به أن يسامحهم، اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم الذي وصفته السيدة عائشة رضي الله عنها بقولها: لا يجزي بالسيئة السيئة، ولكن يعفو ويصفح. فقد أساء إليه قومه فسبوه وآذوه في نفسه وأهل بيته وأصحابه رضي الله عنهم، وأخرجوه من وطنه الذي تربى فيه وأحبه، فلما دخل صلى الله عليه وسلم مكة يوم الفتح منتصرا وقد لاذ الناس بالبيت الحرام؛ صفح عنهم وسامحهم، وعاملهم معاملة الأخ الكريم، فنطقوا بألسنتهم وقلوبهم: أخ كريم وابن أخ كريم، وأحبوه وتآلفوا معه، وصدق الله إذ يقول:( ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم).
وهذه دعوة للعفو والصفح عمن بدرت منهم الإساءة والأذى، فمن أحب أن يسامحه الله عز وجل فليسامح من أخطأ في حقه، فإن الجزاء من جنس العمل، فكما تعفو عن المذنب إليك؛ يغفر الله لك، وكما تصفح؛ يصفح عنك، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :« ارحموا ترحموا، واغفروا يغفر الله لكم».
والعفو لا يعني الضعف، ولكنه ثقة في النفس، وتحكم في غلبة الهوى. فاللهم ألف بين قلوبنا، واجعل التسامح محببا إلى نفوسنا، ووفقنا لطاعتك أجمعين، وطاعة رسولك محمد صلى الله عليه وسلم الأمين وطاعة من أمرتنا بطاعته، عملا بقولك:( يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم).
نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم،
وبسنة نبيه الكريم صلى الله عليه وسلم.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم،
فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمدا عبد الله ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فيا أيها المصلون، إن أول ما نتواصى به تقوى الله عز وجل، والتحلي بالتسامح مع الناس كافة، فننبذ كل ألوان الخلاف ونقطع أسبابها؛ ونعزز روابط التلاحم فيما بيننا، فإن الله عز وجل أرسل رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم رحمة للعالمين، فكان يعاملهم بالمسامحة واللين، فيعفو عمن ظلمه، ويعطي من حرمه، ويصل من قطعه، فشرح الله تعالى له الصدور، وأحبته القلوب، وقد سارت دولة الإمارات العربية المتحدة على هذا الهدي القويم، فكان لها دورها الرائد في ترسيخ قيم التسامح والتعايش على المستوى الوطني والإقليمي والدولي، فأنشأت وزارة دولة للتسامح، لتدعيم أسسه في المجتمع الإماراتي مستندة إلى الدين الإسلامي والدستور الإماراتي والعادات والتقاليد الموروثة عن الآباء المؤسسين، محترمة المواثيق الدولية، وأنشأت "المعهد الدولي للتسامح" الذي يعمل على تعزيز قيم التسامح بين الشعوب والأجيال الجديدة؛ انطلاقا من قوله تعالى:( يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير). فأصبح كل من يعيش على أرض دولة الإمارات ينعم بالعيش الكريم والمعاملة الحسنة.
ولنسأل أنفسنا: هل نطبق خلق التسامح والعفو فيما بيننا؟
وهل نعامل الناس كافة بهذا الخلق الكريم؟
هذا وصلوا وسلموا على من أمرتم بالصلاة والسلام عليه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :« من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشرا». اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
اللهم وفقنا إلى التسامح والعفو يا رب العالمين.
اللهم ارحم شهداء الوطن وقوات التحالف الأبرار، وأنزلهم منازل الأخيار، وارفع درجاتهم في عليين مع النبيين والصديقين، يا عزيز يا كريم. اللهم اجز خير الجزاء أمهات الشهداء وآباءهم وزوجاتهم وأهليهم جميعا، اللهم انصر قوات التحالف العربي، الذين تحالفوا على رد الحق إلى أصحابه، اللهم كن معهم وأيدهم، اللهم وفق أهل اليمن إلى كل خير، واجمعهم على كلمة الحق والشرعية، وارزقهم الرخاء يا أكرم الأكرمين.
اللهم انشر الاستقرار والسلام في بلدان المسلمين والعالم أجمعين. اللهم ارض عن الخلفاء الراشدين: أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن سائر الصحابة الأكرمين.
اللهم إنا نسألك من الخير كله، عاجله وآجله، ونسألك الجنة لنا ولوالدينا، ولمن له حق علينا، وللمسلمين أجمعين.
اللهم وفق رئيس الدولة، الشيخ خليفة بن زايد، وأدم عليه موفور الصحة والعافية، واجعله يا ربنا في حفظك وعنايتك، ووفق اللهم نائبه وولي عهده الأمين لما تحبه وترضاه، وأيد إخوانه حكام الإمارات.
اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات، اللهم ارحم الشيخ زايد، والشيخ مكتوم، وشيوخ الإمارات الذين انتقلوا إلى رحمتك،وأدخل اللهم في عفوك وغفرانك ورحمتك آباءنا وأمهاتنا وجميع أرحامنا ومن له حق علينا.
اللهم إنا نسألك المغفرة والثواب لمن بنى هذا المسجد ولوالديه، ولكل من عمل فيه صالحا وإحسانا، واغفر اللهم لكل من بنى لك مسجدا يذكر فيه اسمك، أو وقف وقفا يعود بالخير على عبادك، أو تنتفع به ذريته من بعده.
اللهم اجعل جمعنا هذا جمعا مرحوما، واجعل تفرقنا من بعده تفرقا معصوما، ولا تدع فينا ولا معنا شقيا ولا محروما.
اللهم احفظ دولة الإمارات من الفتن ما ظهر منها وما بطن، وأدم عليها الأمن والأمان يا رب العالمين.
ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار. اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم اسقنا من بركات السماء، وأنبت لنا من بركات الأرض.
عباد الله:( إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون).
اذكروا الله العظيم يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم ( وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون).

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق