الجمعة، 28 أكتوبر 2016

مكانة الأخت..خطبة الجمعة اليوم بجميع مساجد الدولة

الخطبة الأولى
الحمد لله ذي الجلال والإكرام، أوصانا بصلة الأرحام، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبد الله ورسوله، أوصل الناس لرحمه، وأبرهم بأخته، فاللهم صل وسلم وبارك على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فأوصيكم عباد الله ونفسي بتقوى الله تعالى، قال سبحانه:( يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا).
أيها المسلمون: لقد أمرنا الله عز وجل بصلة الأرحام، وحثنا عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:« يقول الله تبارك وتعالى: صلوا أرحامكم؛ فإنه أبقى لكم في الحياة الدنيا، وخير لكم في آخرتكم». والأرحام هم من تربطهم بالإنسان قرابة من ناحية الأب أو الأم، وتكون صلتهم بالإحسان إليهم بالقول والفعل، وزيارتهم وتفقد أحوالهم، وتقديم الخير لهم، ومن الأرحام التي ينبغي أن تعطى المزيد من الرعاية والعناية: الأخت، فهي من أحن الناس على أهلها، ولا تتردد في التضحية من أجل أحد منهم، وقد ذكر لنا القرآن الكريم أنموذجا من هذه التضحيات، حين قالت أم موسى عليه السلام:( لأخته قصيه فبصرت به عن جنب وهم لا يشعرون). فتتبعته أخته يوم ألقي في النهر، ودخلت على آل فرعون مخاطرة بحياتها؛ لاسترجاع أخيها :(فقالت هل أدلكم على أهل بيت يكفلونه لكم وهم له ناصحون). وبذلت في إقناعهم وسعها، فحفظ الله عز وجل لها سعيها، وسجل لها جهدها في إنقاذ أخيها، وذكر الله موسى عليه السلام بذلك بعد أن صار نبيا فقال سبحانه:( إذ تمشي أختك فتقول هل أدلكم على من يكفله). لذلك كان من هدي النبي صلى الله عليه وسلم إكرام الأخوات، فلما جاءته الشيماء بنت الحارث أخته من الرضاعة رحب بها وبسط رداءه لها، فأجلسها عليه ودمعت عيناه، وقال لها :« إن أحببت أن ترجعي إلى قومك أوصلتك، وإن أحببت فأقيمي عندي مكرمة محببة». فأسلمت وأعطاها إبلا وغنما وخيرا كثيرا.
واقتدى الصحابة رضي الله عنهم بالنبي صلى الله عليه وسلم فكانوا يعتنون بأخواتهم، ويقومون مقام آبائهن، فيحسنون إليهن، ويتفانون في خدمتهن، ويلبون مطالبهن، ويوفرون لهن احتياجاتهن؛ قال جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: إن أبي: عبد الله توفي، وترك تسع بنات - أو سبع- وإني كرهت أن آتيهن أو أجيئهن بمثلهن، فأحببت أن أجيء بامرأة تقوم عليهن، وتصلحهن. فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم :« بارك الله لك». وفي هذا الحديث الشريف فضيلة لجابر رضي الله عنه؛ لأنه اختار امرأة ترعى أخواته، فقدم مصلحتهن على رغبته.
أيها المؤمنون: ما هي صور البر بالأخت وصلتها؟ إن من أوجب صور البر بالأخت: أن نوفيها حقها في الميراث الذي كتبه الله عز وجل لها، فإن سيدنا جابرا رضي الله عنه استفتى النبي صلى الله عليه وسلم في توزيع تركته بين أخواته وبناته، فأنزل الله تعالى قرآنا يبين نصيبها المفروض. وإن إكرام الأخت بالهدية، ووصلها بالعطية؛ من أهم ما يشرح الصدور، ويؤلف القلوب، ويرسخ المحبة بين الأخت وأخيها، ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ذلك فقال:« يد المعطي العليا، وابدأ بمن تعول: أمك وأباك، وأختك وأخاك، ثم أدناك أدناك». فذكر صلى الله عليه وسلم الأخت بعد الأم والأب. ورغبنا صلى الله عليه وسلم في رعاية الأخت وإعالتها، وجعلها بمكانة البنت في المحبة والمودة، فقال صلى الله عليه وسلم :« من عال ابنتين أو أختين أو ثلاث أخوات، حتى يبن  -أي يتزوجن- أو يموت عنهن، كنت أنا وهو كهاتين». أي في الجنة،وأشار بأصبعيه السبابة والوسطى. فيتبوأ من الجنة الدرجات العلى، ويكون فيها رفيقا للنبي صلى الله عليه وسلم.
ومن أهم صور البر بالأخت: الوقوف إلى جوارها ومساعدتها في أزماتها، والاجتهاد في حل مشكلاتها، فبأخيها يقوى ضعفها، وترفع رأسها، فهذا الصحابي الجليل معقل بن يسار رضي الله عنه كانت له أخت يتقدم الناس لخطبتها، فكان يتريث حتى يجد كفئا لها يرعاها ويكرمها، فخطبها ابن عم لها، فزوجها إياه، فاصطحبا ما شاء الله تعالى، ثم طلقها طلاقا له رجعة، ثم تركها حتى انقضت عدتها فخطبها مع الخطاب، فقال له: زوجتك كريمتي فطلقتها، ثم أردت أن تخطبها؟ فلا والله لا أنكحها لك أبدا. فأنزل الله تعالى:( وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن) قال: فلما سمعتها قلت: سمعا لربي وطاعة، ثم دعوته فقلت: أزوجك وأكرمك. فحرص رضي الله عنه على إعانة أخته، وصيانة حقوقها، وحفظ كرامتها، وإظهار عزها، وهذا واجب شرعا وعرفا، سواء كانت شقيقة أم أختا لأم أو لأب، فلكل منهن حقوق على أخيها.
وأما من كان له أخت قد انقضى أجلها، ولحقت بربها؛ فإن صلتها تستمر بعد وفاتها: بتفقد ولدها وصلة زوجها، والدعاء لها، وقضاء ديونها، والوفاء بنذرها؛ فعن ابن عباس رضي الله عنهما: قال أتى رجل النبي صلى الله عليه وسلم فقال له: إن أختي نذرت أن تحج، وإنها ماتت. فقال النبي صلى الله عليه وسلم :« لو كان عليها دين أكنت قاضيه». قال: نعم. قال:« فاقض الله، فهو أحق بالقضاء». فمن حرص على ذلك أكرمه الله تعالى في الدنيا والآخرة، وكم من رجل وصل أخته وأكرمها؛ فأعقبه الله عز وجل سعادة في الدنيا، وسعة في الرزق، وبركة في العمر والأولاد. فاللهم وفقنا لصلة أرحامنا، وبر أخواتنا، ووفقنا لطاعتك أجمعين، وطاعة رسولك محمد الأمين صلى الله عليه وسلم وطاعة من أمرتنا بطاعته، عملا بقولك:( يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم).
نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم، وبسنة نبيه الكريم صلى الله عليه وسلم.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.


الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبد الله ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فيا أيها المصلونإن أهم ما نتواصى به تقوى الله عز وجل، وحسن معاملة الأخت، والتواصل معها وزيارتها، فكم تفرح الأخت بزيارة أهلها، وتعتز بذلك أمام زوجها وأبنائها، وليس أقل من الاطمئنان بالهاتف على أحوالها، والعناية بأبنائها فهم بمنزلة أبنائنا، حيث اعتبر رسول الله صلى الله عليه وسلم ابن الأخت بمكانة الابن، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: دعا النبي صلى الله عليه وسلم الأنصار فقال :« هل فيكم أحد من غيركم؟». قالوا: لا، إلا ابن أخت لنا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :« ابن أخت القوم منهم، أو من أنفسهم».
فهل نصل أخواتنا ونحسن إليهن ونكرمهن؟
وهل نعزز ذلك في أولادنا؟
هذا وصلوا وسلموا على من أمرتم بالصلاة والسلام عليه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:« من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشرا». اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
اللهم اجعلنا لأرحامنا واصلين، وبأخواتنا بارين، وبحقوقهن قائمين يا رب العالمين. اللهم ارحم شهداء الوطن وقوات التحالف الأبرار، وأنزلهم منازل الأخيار، وارفع درجاتهم في عليين مع النبيين والصديقين، يا عزيز يا كريم.
اللهم اجز خير الجزاء أمهات الشهداء وآباءهم وزوجاتهم وأهليهم جميعا، اللهم انصر قوات التحالف العربي، الذين تحالفوا على رد الحق إلى أصحابه، اللهم كن معهم وأيدهم، اللهم وفق أهل اليمن إلى كل خير، واجمعهم على كلمة الحق والشرعية، وارزقهم الرخاء يا أكرم الأكرمين.
اللهم انشر الاستقرار والسلام في بلدان المسلمين والعالم أجمعين.
اللهم ارض عن الخلفاء الراشدين: أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن سائر الصحابة الأكرمين.
اللهم إنا نسألك من الخير كله، عاجله وآجله، ونسألك الجنة لنا ولوالدينا، ولمن له حق علينا، وللمسلمين أجمعين.
اللهم وفق رئيس الدولة، الشيخ خليفة بن زايد، وأدم عليه موفور الصحة والعافية، واجعله يا ربنا في حفظك وعنايتك، ووفق اللهم نائبه وولي عهده الأمين لما تحبه وترضاه، وأيد إخوانه حكام الإمارات.
اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات، اللهم ارحم الشيخ زايد، والشيخ مكتوم، وشيوخ الإمارات الذين انتقلوا إلى رحمتك،وأدخل اللهم في عفوك وغفرانك ورحمتك آباءنا وأمهاتنا وجميع أرحامنا ومن له حق علينا.
اللهم إنا نسألك المغفرة والثواب لمن بنى هذا المسجد ولوالديه، ولكل من عمل فيه صالحا وإحسانا، واغفر اللهم لكل من بنى لك مسجدا يذكر فيه اسمك، أو وقف وقفا يعود بالخير على عبادك، أو تنتفع به ذريته من بعده.
اللهم اجعل جمعنا هذا جمعا مرحوما، واجعل تفرقنا من بعده تفرقا معصوما، ولا تدع فينا ولا معنا شقيا ولا محروما.
اللهم احفظ دولة الإمارات من الفتن ما ظهر منها وما بطن، وأدم عليها الأمن والأمان يا رب العالمين.
ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار.
اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم اسقنا من بركات السماء، وأنبت لنا من بركات الأرض.
عباد الله:( إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون).
اذكروا الله العظيم يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم ( وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون).

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق