أبوظبي في 22 أكتوبر/ وام
شهد الفريق سمو الشيخ سيف بن زايد آل نهيان
نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية مساء اليوم في مجلس سمو الشيخ محمد
بن زايد آل نهيان بقصر البطين محاضرة بعنوان "عصر التنمية المستدامة
وتحديات التعاون الدولي" ألقاها البروفيسور جفري دي ساكس مدير معهد الارض
استاذ التنمية المستدامة والسياسات والادارة الصحية في جامعة كولومبيا.
كما حضر المحاضرة معالي الشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان وزير الثقافة
والشباب وتنمية المجتمع إلى جانب عدد من الشيوخ والوزراء وكبار المسؤولين
وعدد من أعضاء السلك الدبلوماسي ولفيف من المدعوين والمدعوات.
وبدأ البروفيسور ساكس المحاضرة بالتأكيد على وجود فرص كبيرة ونادرة أمام
دول العالم لمواجهة التحديات التي تعيشها على المستوى الاقتصادي والبيئي
والسكاني والاجتماعي والتعليمي والصحي.
ولفت إلى أن دولة الامارات العربية المتحدة وخاصة ابوظبي من القيادات
الدولية التي تتطلع نحو المستقبل المستدام وتضع الخطط وتعمل على تنفيذها
وهو الامر الذي يميزها في المنطقة وتحتاجه دول العالم ككل ويجعلها ملتقى
لهذه الدول.
وقال المحاضر إن على العالم أن يتعلم من دولة الامارات وريادتها في مجال
البناء للمستقبل المستدام.. مشيرا الى أن مؤسس الدولة المغفور له الشيخ
زايد بن سلطان آل نهيان طيب الله ثراه كانت له رؤية في هذا الاتجاه وقد نجح
في تثبيتها وتنفيذها وإن القيادة الحكيمة تواصل هذا النهج دون انقطاع".
وأضاف جفري ساكس أن صحارى الامارات وبقية دول المنطقة مصادر جيدة لدول
العالم وتستطيع تمويل أوروبا على سبيل المثال بالطاقة الشمسية وليس بالنفط
فقط مشيرا الى ان ذلك سيتم من خلال التقدم التقني والرؤية السياسية
الحكيمة.
وأكد أهمية التعاون بين الحكومات والقطاع الخاص والشراكة بينهما في مجال
الطاقة لافتا الى انه يمكن للإمارات كونها مركزا للطاقة الهيدروكربونية أن
تسهم بشكل كبير في هذا المجال لأنها تطمح لكي تكون متقدمة فيه.
كما أكد ضرورة الاعتماد على الطاقة الشمسية والطاقات البديلة..
مشيرا الى أن السلام في المنطقة ضروري لتحقيق الاستدامة المطلوبة وأن دولة
الامارات العربية المتحدة يمكن أن تبادر عربيا في ايجاد شبكة لحلول مبتكرة
للتنمية المستدامة.
وأكد جفري ساكس أن النظام الاقتصادي
الدولي الراهن يتسم بخمسة خصائص رئيسية هي: نظم إنتاج على نطاق عالمي تخضع
لهيمنة الشركات والمؤسسات المتعددة الجنسيات والتغير التكنولوجي السريع لا
سيما القائم على استخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات والتغير السكاني
المتسارع بما فيه النمو السكاني السريع والتفاوتات العالية في الدخل "أو
عدم المساواة في توزيع الدخل" سواء داخل الدول أو بينها والأزمات البيئية
الشديدة وأهمها التغير المناخي وفقدان التنوع الحيوي.
وأضاف المحاضر أن التنمية المستدامة تشير إلى نهج كلي ومتكامل للسياسة
الاقتصادية التي تسعى معا إلى تحقيق ثلاثة أهداف هي: التنمية الاقتصادية
والإدماج الاجتماعي والاستدامة البيئية.
وقال البروفيسور جفري إنه يمكن وصف هذه الحقبة بعصر التنمية المستدامة
نظرا للتحديات العالمية المتمثلة في مكافحة الفقر المدقع والحد من
التفاوتات الكبيرة في الدخل والثروة وحماية البيئة كما ينطوي العصر الجديد
الذي نعيش فيه على مخاطر كبيرة منها السياسية والاجتماعية وعدم الاستقرار
الجيوسياسي.. فأغلب المناطق في العالم أصبحت أكثر ثراء وأكثر تواصلا عبر
تقنية المعلومات من ناحية. ومن ناحية أخرى فإن الأزمات الناجمة عن التفاوت
الاقتصادي والتهميش الاجتماعي وصراع الهويات الاجتماعية والهجرة الواسعة
النطاق التي نجم كثير منها عن أعمال العنف أو كارثة بيئية والأزمات البيئية
الشديدة تقع على نطاق عالمي وتعطل حوكمتها وحسن إدارتها في معظم أجزاء
العالم. بالإضافة إلى ذلك يشهد النظام الجيوسياسي العالمي تحولا سريعا من
الثنائية القطبية " الحرب الباردة لغاية 1991 " إلى فترة وجيزة من الأحادية
القطبية " بقيادة الولايات المتحدة بعد عام 1991 " ثم إلى التعددية
القطبية المعقدة الحالية مع نشوء البرازيل والصين والهند كقوى إقليمية.
وأشار المحاضر إلى أن العالم يبحث عن نظام اقتصادي وجيوسياسي جديد يمكنه
أن يستغل تلك القوى الفعالة بطرق سلمية وبناءة من أجل الحد من الفقر
ومكافحة التفاوتات والبطالة المتزايدة وحماية البيئة الطبيعية.
وقال إنه يرى أن هذا النظام الجديد يجب أن يقوم على المبادئ الأربعة
التالية التنمية المستدامة " كما دعت إليها "قمة ريو قمة الأرض ومؤتمر ريو +
20 " ومبدأ عدل التدخل السلمي " كما ينص عليه ميثاق الأمم المتحدة " إلى
جانب حقوق الإنسان " كما ينص عليها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان"
والتكامل الإقليمي لتسهيل تحقيق مكتسبات التعاون الإقليمي.
وأضاف المحاضر أنه يجب أن تتكرس هذه
المبادئ في ثلاث مفاوضات عالمية بالغة الأهمية سوف تجري في عام 2015.. حيث
أنه في شهر يوليو 2015 سوف تلتقي حكومات العالم في أديس أبابا في المؤتمر
المعني بتمويل التنمية أو ما يسمى عملية تمويل التنمية.. وفي شهر سبتمبر
2015 سوف يتبنى قادة العالم أهداف جديدة للتنمية المستدامة.. وفي شهر
ديسمبر 2015 سوف يجتمع قادة العالم مرة ثانية في باريس في مؤتمر الأطراف في
اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ من أجل تبني إطار عالمي
لمكافحة تلوث المناخ الناجم عن فعل الإنسان.
وأكد المحاضر أنه بناء على ذلك فإن مفاوضات العام المقبل ستكون في غاية
الأهمية لجميع الأطراف في العالم.. موضحا حسب رأيه أن الأهداف الرئيسية
لتلك المفاوضات يجب أن تحقق أولا يجب أن تكون الغاية من المؤتمر المعني
بتمويل التنمية والذي يعقد في يوليو 2015 هو وضع نظام مستقر وقابل للتنبؤ
به وفعال لعملية تمويل التنمية العالمية بما في ذلك تنمية الدول الأكثر
فقرا.. ويجب أن يعمل هذا النظام على إصلاح عملية توصيل المساعدات الإنمائية
الرسمية وخلق قنوات جديدة لتمويل عملية التكيف مع تغير المناخ والتخفيف من
حدة تأثيراته وتحسين الفعالية والعدالة والشفافية والاستقرار في تدفقات
رؤوس الأموال الدولية.
ثانيا : بالنسبة للأهداف الجديدة للتنمية المستدامة التي سوف يتبناها قادة
العالم في شهر سبتمبر 2015 فالغاية منها هو تبني مجموعة مختصرة ومتوافقة
وطموحة من أهداف التنمية المستدامة تعمل على توجيه التفكير الإنمائي وخطة
العمل العالمية للفترة من 2015-2030.. وبناء على أعمال الجمعية العامة
للأمم المتحدة حتى الآن تم تحديد 17 هدفا للتنمية المستدامة يجب العمل على
بلورتها في شكل 10 أهداف واضحة وإلزامية للتنمية المستدامة لاعتمادها في
سبتمبر المقبل.
ثالثا : أما مؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الاطارية بشأن تغير
المناخي والذي يعقد في ديسمبر 2015 فيكمن الحل في الاتفاق على وضع إطار
عالمي جديد يستطيع التحكم في الاحتباس الحراري الناجم عن فعل الإنسان دون
حاجز الدرجتين المئويتين كما اتفقت حكومات العالم في عام 2010. ويتضمن هدف
الدرجتين المئويتين بشأن الاحتباس الحراري "إزالة الكربون" في نظام الطاقة
العالمي بحلول عام 2050 بما في ذلك التحول إلى مصادر طاقة منخفضة الكربون "
مثل الطاقة الشمسية والريحية والكهرومائية والنووية والأرضية الحرارية
وطاقة المد والجزر وطاقة الوقود الحيوي المتطورة وغيرها من المصادر
المحتملة" .. مشيرا الى الدور الريادي لدولة الامارات في مشاريع الطاقة
البديلة.
ولاحظ المحاضر جفري ساكس أن المخاطر
المترتبة من خطة العمل الإنمائية الدولية الجديدة على منطقة الشرق الأوسط
تبدو كبيرة جدا فهي معرضة بشدة لخطر التغير المناخي معطيا مثلا على ذلك
الجفاف الشديد الذي أصاب دول الشرق الأوسط خلال العقد الماضي.
وقال إن المنطقة هي الأغنى بين دول العالم في الموارد البترولية إلا أنها
تمتلك موارد ومصادر متجددة ضخمة أيضا.. كما أن معظم منطقة الشرق الأوسط
تعاني عدم استقرار بسبب الكثير من العوامل الراهنة ومنها التغير السريع في
التركيبة السكانية والصراعات الاجتماعية والوضع الجيوسياسي والهجرة الواسعة
النطاق والأزمات البيئية الشديدة.
وبالتالي فإنه من المهم بوجه خاص بالنسبة للمنطقة أن تبحث عن دور قيادي
فعال في المفاوضات المقبلة من أجل ضمان الحصول على أفضل الإمكانات /
القدرات الكامنة للتنمية المستدامة فيها.
واعتبر المحاضر أن العام القادم عام استثنائي بل من اهم الاعوام لتحديد
توجهات العالم لتحقيق الفائدة القصوى لكوكب الارض الذي يواجه كل هذه
المخاطر مشيرا الى أنها فرصة لابد من الامساك بها لانها لن تتكرر.
وأضاف أن على سكان الكوكب الارضي التعايش مع مفهوم الاستدامة أي النظرة
المتكاملة للمجتمعات والاستدامة البيئية مشيرا الى التطورات المتسارعة في
الثورة التقنية التي تربك الانماط التقليدية في مجالات الصحة والتعليم
والتصنيع.
ونوه إلى أن عدد سكان العالم يبلغ حاليا 7.3مليار نسمة ويزداد بمعدل 80
مليون نسمة كل عام.. مشيرا الى توقعات الامم المتحدة بوصول الزيادة الى
أربعة مليارات نسمة في نهاية القرن الحالي ودعا الدول الافريقية الى دراسة
هذا الامر لأنه يؤثر في زيادة نسبة الفقر والجوع.
وقال ان العصر الحالي أكثر أهمية من عصر اديسون مخترع الكهرباء
والاكتشافات والاختراعات الاخرى ما يجعله فرصة ثمينة بالنسبة لنا لو تم
استخدام امكاناته على الوجه الصحيح بحيث يختفي الفقر عام 2030 حسب تقديرات
الامم المتحدة.
وتعرض المحاضر إلى تحد آخر هو الوقود الاحفوري .. مشيرا الى أنها مشكلة
حقيقية وخطيرة فالأرض تدمر بفعل زيادة انبعاثات ثاني اكسيد الكربون بنسبة
30 في المائة وحتى المحيطات تتأكسد ايضا وتموت الاعشاب المرجانية والحياة
البحرية والنظام الايكولوجي بشكل عام ..ودعا الى الوصول الى ما اسماه
اقتصاد الانبعاثات الصفرية عبر استخدام الوقود الاحفوري بطريقة صحيحة.
وجزم بأن حل مشكلة النمو تتم في الاساس بالتنمية المستدامة والتنظيم
والتكامل بين الابعاد الاقتصادية والاجتماعية والبيئية مشيرا في ذلك الى
عدد من الدول كالبرازيل واندونيسيا وغيرها من الدول الآخرى التي تعمل على
تطوير أوضاعها.
كما تعرض المحاضر للأمراض والاوبئة الفتاكة خاصة مرض ايبولا ..مؤكدا أهمية
التعاون الدولي لمكافحة مثل هذه الامراض الخطيرة وتوحيد الجهود للقضاء
عليها بقوة وشدة وأشاد بالتقدم العلمي التقني والطبي وخاصة في مجال الجينوم
واعتبره نصرا مؤزرا حيث يمكن الآن تقليص تكلفة استخدام الجينوم للأغراض
الطبية من مائة مليون دولار لكل نسخة واحدة من البشر الى الف دولار فقط.
وفي ختام المحاضرة رد البروفسور ساكس على سؤال حول عزوف الشركات الخاصة عن
نقل المعرفة وتطوير الاقتصادات المحلية لدولها مؤكدا أهمية تحديد أولويات
التكنولوجيا ليس من منظور الأعمال بل من قبل المجتمع العالمي.
وقال إنه عندما يتم تحديد التكنولوجيا المطلوبة سيتم تحديد المعوقات من
قبل الحكومات والقطاع الخاص لديها تمهيدا لتطوير التكنولوجيا المنشودة أي
لابد من قيادة عامة بين القطاعين العام والخاص.
وردا على سؤال آخر حول تفشي بعض الأمراض الجديدة وأسبابها أكد المحاضر أن
العالم يترك الأمور على ماهي عليه ثم يفاجأ بالمصيبة تطرق أبوابه.
ودعا الى تغيير هذه النظرة وضرورة ايجاد نظام مراقبة عالمي ومعايير صحية
صارمة وتطوير انظمة الصحة العامة و تحسين الغذاء وتوفير الصحي منه
والاهتمام بالفقراء كي يكون العالم آمنا مطمئنا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق