ابوظبي في 19 اكتوبر/وام
اكد معالي الدكتور أنور بن محمد قرقاش وزير الدولة للشؤون الخارجية ان هناك حاجة ملحة إلى تعزيز فهمنا المشترك للتحديات الاقليمية وإلى اصطفاف تفكيرنا الاستراتيجي من أجل كبح التهديدات الناشئة. وقال معاليه :ولا يصح هذا الأمر أكثر مما يصح الآن وهنا في الشرق الأوسط حيث يرزح السلم والاستقرار الاقليميان مرة أخرى تحت التهديد.
جاء ذلك في مستهل كلمة معاليه التي افتتح بها اليوم الدورة الأولى من ملتقى أبوظبي للحوار الاستراتيجي الذي يستضيفه مركز الامارات للسياسات.
ونبه معاليه الى إن التهديدات التي نواجهها اليوم أصبحت ذات عدد غير مسبوق : 1- الحرب الطائفية في كل من العراق وسوريا والتي أشعلها الحكم القمعي.
2- الصعود السريع لتنظيم داعش والذي يذكيه المقاتلون الأجانب من كل أنحاء العالم.
3- عنف الميلشيات واخفاق الدولة في ليبيا.
4- الهجمات على سيادة اليمن من المتمردين الحوثيين الذين يتلقون تمويلا أجنبيا.
5- العنف في غزة في الآونة الأخيرة واستمرار احتلال اسرائيل لفلسطين.
واكد معاليه انه وفي وجه هذه التهديدات هناك حاجة واضحة للحوار المتزايد والعمل المنسق..وقال إن الامارات العربية المتحدة تدرك مسؤولياتها الاقليمية وهي مستعدة للتصرف في سياق جهد جماعي.
واضاف انه لا يمكن للاعبين الاقليميين معالجة أي من هذه التحديات وحدهم فهم يحتاجون إلى رد منسق مستند إلى استراتيجية شاملة مبنية على اطلاع واسع وتستخدم مجموعة واسعة من الأدوات.
وقال انه ومن الأمور الأساسية هنا أن نرى الصورة الاستراتيجية في النتائج الراهنة الخطيرة للضرر الحاصل .. فنحن نحتاج إلى إدراك القيم التي تحتاج إلى حماية وإلى الانتصار لها بنجاح..و قيما مثل الهوية الوطنية الاستقرار والمنهج المنفتح حيال الطريقة التي ينبغي بها حكم المجتمعات والدول.. ولا بد لنا من نبذ انعدام الاستقرار المولود من الطائفية ومن رؤية للدين رجعية وعفا عليها الزمن .
واكد إن هذا الاستشراف الاستراتيجي المؤسس على القيم لا بد من أن يكون حاضرا دوما في سياق التعامل مع الفوضى الراهنة..لافتا الى انه ومن دون هذا الوضوح في الرؤية سيبدو الكثير من أعمالنا وجهودنا الجماعية دون هدف وغير فاعلة.
وقال معاليه إن النطاق الواسع للحضور عالي المستوى اليوم في هذا المؤتمر شهادة على الحاجة الملحة لعمل أكثر تنسيقا ويستند إلى استراتيجية شاملة.
وتابع معاليه موجها حديثه للحضور: واسمحوا لي قبل أن تنخرطوا في نقاشات اليوم بأن أسلط الضوء على بعض المجالات ذات الأهمية الكبيرة بالنسبة للإمارات العربية المتحدة في المنطقة والتي تعتبر ذات أهمية حاسمة أيضا للوضع الراهن: التطرف: طوال السنوات القليلة الماضية.
...........
حذرت الامارات العربية المتحدة مرارا وتكرارا من التهديد المتنامي الذي يشكله اللاعبون المتطرفون والأيديولوجيات المتطرفة على الاقليم.
ورغم أن بعض حلفائنا كانوا يعتقدون أننا كنا مذعورين أكثر من اللازم فإن صعود داعش يؤكد ضخامة التهديد.. فبدلا من تحولهم إلى معتدلين من خلال التفاعل ينجذب من يسمون "الاسلاميون المعتدلون" إلى صفوف المجموعات الراديكالية.
إن هذا يؤكد المغالطة التي تنشأ عند محاولة التمييز بين الشكل "المعتدل" والشكل "الراديكالي" للتطرف.
إننا على يقين تام بأن الكثير من هذه الحركات التي توصف بأنها "معتدلة" في بعض المعاجم توفر البيئة المناسبة لتحول أكبر نحو التطرف ولنشوء جماعات مثل القاعدة وداعش. ولذلك فإن مواجهة التهديد الذي تشكله الجماعات يتطلب استراتيجية شاملة ذات رؤية واضحة.
واوضح معاليه فمن الناحية الأولى نحن نحتاج إلى الاعتراف بأن هؤلاء اللاعبين وأيديولوجيتهم المتطرفة بطبيعتها لا يمكن تلطيفها لكي تصبح معتدلة ولا معالجتها ببراعة أو احتوائها. ذلك لأنها تتناقض من حيث الأساس مع قيم التسامح والأجندة المعتدلة التي توحد ما بين الامارات العربية المتحدة وشركائها الدوليين. ولكبحها نحتاج إلى المحافظة على جبهة مشتركة. فنحن لا يمكننا محاربة التطرف في مكان واحد في حين نحاول استرضاءه في مكان آخر في سبيل المنفعة السياسية. .
ولهذا السبب كان مطلوبا أن يكون هناك إطار فكري واستراتيجي حول ما يشكل التطرف وحول أفضل طريقة لمعالجته.
واكد إن محاربة التطرف تتطلب مجموعة واسعة من الأدوات وجهدا مستداما من المجتمع الدولي. فرغم أن العمليات العسكرية والتعاون الاستخباراتي سيشكلان جزءا مهما من هذه الجهود فإن من المهم جدا أن يمتد تعاوننا إلى مجالات أخرى أيضا. .في طليعة ذلك تأتي قدرتنا على توحيد الظروف السياسية على الأرض من أجل تعزيز المكاسب العسكرية. وبالطبع ستشمل الاجراءات الأخرى على الضوابط المالية والهجرة والاجراءات التعليمية والثقافية.
وإن الامارات العربية المتحدة مستعدة للتعاون مع شركائها في كل جوانب هذه الجهود.
......
سوريا والعراق.
.....
واكد إن استمرار انعدام الاستقرار في سوريا والعراق أمر يقلقنا جميعا.. فالعنف الطائفي والأيديولوجيا الطائفية ينتشران على نحو متزايد إلى ما وراء حدود هذين البلدين ليؤثرا على جيرانهما. ويشكل ملايين اللاجئين السوريين والعراقيين عبئا اقتصاديا مؤلما على البلدان المجاورة وتهديدا للاستقرار السياسي.
وفوق ذلك اجتذب هذان النزاعان لاعبين أجانب يستغلون الوضع على الأرض بطريقة أنانية من أجل توسيع ميدان نفوذهم.
وتابع: على أن الدوافع المسببة لانعدام الاستقرار في سوريا والعراق تتجاوز حدود التحدي الحالي الذي تشكله داعش والجماعات المتطرفة الأخرى.
وفي جذر هذه المشكلة تكمن السياسات الإقصائية والطائفية التي تتباناها الحكومة في كل من البلدين وهو ما يمهد الأرضية للاعبين المتطرفين. ففي العراق أعطى تشكيل حكومة وحدة وطنية وتعيين وزير دفاع جديد يوم أمس بعد طول انتظار سببا للأمل الحذر.
لكنني يجب أن أشير إلى تصريح رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي في الآونة الأخيرة والذي لا مبرر له في سياق تعليقه على تصريحات سابقة لنائب الرئيس الأميركي جوزيف بايدن. ومن المؤسف أن تعليقه /أي العبادي/ أدى إلى تقويض رغبة كثير من بلدان الخليج في طي صفحة الماضي بعد حكومة نوري المالكي الطائفية والإقصائية. وبالنظر إلى أهمية وأولوية إيجاد حكومة وطنية عادلة ومنصفة فإن تصريحات رئيس الوزراء أدت إلى خلق شكوك خطيرة في مشروع جديد هو في الأصل صعب.
واكد إن إخفاق المجتمع الدولي في التحرك في وقت مبكر في ما يتعلق بسوريا قد جعل الوضع يتدهور أكثر فأكثر إلى الفوضى. والآن هناك حاجة دولية ملحة لتقوية اللاعبين المعتدلين ولتزويدهم بالأدوات اللازمة لمحاربة التطرف والتعصب.
ورغم أن الضربات الجوية التي يشنها المجتمع الدولي تلعب دورا مهما في كبح التقدم الذي يحرزه داعش فإنها من حيث النتيجة لا يمكن أن تكون كافية لوحدها.
وتابع معالي الدكتور انور قرقاش كلمته بقوله:
مصر..
...........
في تقديري أية استراتيجية مصممة بغرض تحقيق السلام والاستقرار والاعتدال في العالم العربي تتطلب تحقيق نجاح في مصر. فبعد سنوات من انعدام الاستقرار ها هي مصر تعود أخيرا إلى الأمن والتنمية وهي في طريقها إلى تبوؤ مكانها الضروري والتاريخي في مركز العالم العربي. .ولهذا الأمر أهمية محورية بالنسبة للمنطقة بأسرها.. فتمتع مصر بالاستقرار والاعتدال يشكل حجر الزاوية في الاستقرار الاقليمي كما يشكل حاجزا أمام انتشار التطرف. وتابع معاليه:
وفي أية حال إذا بقي اقتصاد مصر هشا فمن المهم أن يقدم المجتمع الدولي كل وسائل الدعم الممكنة إلى الحكومة المصرية للحيلولة دون انزلاق البلد إلى الفوضى.. وقد قامت الامارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية بتحمل جزء كبير من عبء المسؤولية عندما كان الأمر يتعلق بدعم التنمية الاقتصادية في مصر. وإن كنا قد تعلمنا شيئا في السنوات القليلة الماضية فقد تعلمنا أن الوظائف والنمو يشكلان الوقاية الأكثر فعالية من الأيديولوجيات الراديكالية والكراهية الطائفية.
واكد:
ومن أجل ضمان استقرار مصر في شرق أوسط مستقر فإن من المهم جدا أن يتبع المجتمع الدولي مسارنا من خلال توفير دعم أكبر للحكومة المصرية وكذلك باحترام حقوق مصر السيادية في التعامل مع الارهاب والاضطرابات على أراضيها وعلى نحو منصف.
ايران...
وتابع معالي الدكتور انور قرقاش بقوله:إن مجلس التعاون لدول الخليج العربية وإيران جاران ولدينا مسؤولية مشتركة حيال هذا الجوار. وفي هذا الصدد ترحب الامارات العربية المتحدة بالمفاوضات النووية الجارية بين مجموعة 5+1 وإيران.. على أننا نعتبر أن من المهم جدا أن يكون أي اتفاق مستقبلي مع إيران حول ملفها النووي اتفاقا محكما وخاليا من نقاط الضعف. .فالاخفاق في التوصل إلى اتفاق متماسك يمنع الانتشار النووي يمكن أن تكون له عواقب خطيرة ليس فقط في منطقتنا بل في مناطق أبعد بكثير وذلك من خلال تقويض نظام عدم الانتشار. وأضف على ذلك أنني أتفق تماما مع تعليقات سمو الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية السعودي في الآونة الأخيرة في مؤتمر الصحفي المشترك مع وزير الخارجية الألماني. ففي تعليقاته ميز وزير الخارجية السعودي ما بين إيران الدولة والمجتمع من جهة وإيران كسياسة خارجية توسعية وعدوانية. ونحن نرحب بالأولى ونعتبرها جارة جغرافية وتاريخية ذات أهمية كبيرة نرى تعاونا مشتركا مستمرا معها. لكن النزعة التوسعية المستمرة للنفوذ الايراني في العالم العربي تشكل تهديدا للعلاقات الخليجية الإيرانية وللعلاقات العربية الايرانية بوجه عام. وتابع معاليه:
وتطول القائمة هنا وتشمل البحرين سوريا العراق ولبنان واليمن الذي انضم إلى القائمة على نحو دراماتيكي في الآونة الأخيرة. واضاف :وإن الحقيقة التي مفادها أن هذه السياسة الخارجية طائفية بطبيعتها تجعل التوتر في المنطقة أكثر استفحالا. وإن علاقة عربية-إيرانية تعاونية ومريحة سوف تعتمد كثيرا على مبدأ عدم التدخل واحترام الكيانات الوطنية وسيادة السياسات الوطنية. سيداتي وسادتي نحن في الامارات العربية المتحدة نفخر بأننا بنينا نموذجا للتسامح والاعتدال في منطقة كانت مدفوعة في معظم الأحيان بالإفراط. وبسبب بعد النظر الذي يتمتع به قادتنا نجح مجتمعنا في الخضوع لتغييرات واسعة من دون إطلاق شرارة عنف من نفس نوع العنف الذي أثر في مجتمعات أخرى. ونحن نفخر بهذا الانجاز وبتوفير الالهام في منطقة أصبحت فيها الاخبار السارة والممارسات الجيدة قليلة ومتباعدة جدا. ..على أننا ندرك أيضا أننا لا نعيش على جزيرة منعزلة في منطقة مضطربة.. فنحن نمتلك رؤية واضحة وليست لدينا طموحات للعب دور اقليمي أكبر بكثير. فسياستنا الخارجية في هذه الفترة الصعبة ستواصل دعم قوى الاعتدال والاستقرار والانفتاح. وهي /سياستنا/ سترفض محاولات إعادة تشكيل عالمنا وفق خطوط متطرفة وطائفية. ولهذا السبب كانت الامارات عازمة ومستعدة لتحمل المسؤوليات إلى جانب شركائها لتعزيز ونشر الاستقرار والاعتدال والحيوية الاقتصادية وكذلك الديناميكية الاقتصادية. ولتحقيق ذلك سوف نحتاج إلى رؤية استراتيجية مشتركة وخطة عمل مشتركة. فلنضع ذلك نصب أعيننا. وإنني أتطلع إلى نقاش صريح ومفتوح. وكان معالي الدكتور قرقاش قد رحب بالحضور في مستهل كلمته معربا عن سروره بافتتاح الملتقى وموجها الشكر للحضور .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق