الخميس، 18 يناير 2018

مؤتمر الأزهر: عبث أمريكا بالقدس لن ينزع عروبتها


القاهرة: «الخليج»

أعلن مؤتمر الأزهر العالمي لنصرة القدس، الذي انطلق في القاهرة، أمس، بمشاركة وفود 86 دولة من كل قارات العالم، رفضه لقرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الاعتراف بالقدس الموحدة عاصمة لدولة فلسطين. وأكد السياسيون والبرلمانيون وعلماء ورجال الدين الإسلامي والمسيحي المشاركون في المؤتمر، إدانتهم القرار الأمريكي العنصري، وعدم الاعتراف به، وفقدان شرعيته لمخالفته للقرارات الدولية المؤكدة لحقوق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة، وعاصمتها القدس. وشارك في المؤتمر وفد من الدولة يضم الدكتور حمدان مسلم المزروعي رئيس مجلس هيئة الهلال الأحمر، وجمعة مبارك الجنيبي سفير الدولة لدى مصر، والدكتور محمد مطر الكعبي رئيس الهيئة العامة للشؤون الإسلامية والأوقاف، والنائبة عزة سليمان الجاسم عضو المجلس الوطني الاتحادي.
وقال أحمد الطيب شيخ الأزهر، رئيس مجلس حكماء المسلمين: إن هذا الحشد الكبير من رجال السياسة والقانون والتاريخ وعلماء الإسلام ورجال الدين الإسلامي والمسيحي واليهودي، يجتمع في القاهرة استجابة لدعوة الأزهر ومجلس حكماء المسلمين ليدقوا ناقوس الخطر، ويعلنوا موقفاً موحداً أمام العبث «الإسرائيلي» المدعوم من الولايات المتحدة الأمريكية لتهديده للسلام العالمي، فلن يتحقق سلام، ولا أمان، ولا استقرار في المنطقة من دون الاعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني وعودة القدس لتكون عاصمة دولة فلسطين العربية.

واقترح شيخ الأزهر تخصيص عام 2018 ليكون عاماً للقدس الشريف، تعريفاً به، ودعماً مادياً ومعنوياً للمقدسيين ونشاطاً ثقافياً وإعلامياً متواصلًا، مؤكداً أن كل احتلال إلى زوال، وإن بدا اليوم كأنه أمر مستحيل، إلا أن الأيام دول وعاقبة الغاصب معروفة، ونهاية الظالم وإن طالَ انتظارها معلومة ومؤكدة.
وأكد الطيب أن العرب دعاة سلام وليسوا دعاة حرب، فالسلام الذي يتطلع إليه العرب ويسعون إليه، ويعملون على تحقيقه هو السلام القائم على العدل والوفاء بالحقوق التي لا تقبل بيعاً ولا شراء ولا مساومة، ولا يعرف الذلة، ولا الخنوع، ولا المساس بذرة من تراب الأوطان أو المقدسات.
وشدد شيخ الأزهر على ضرورة نشر الوعي بالقضية الفلسطينية وقضية القدس على وجه الخصوص، معبراً عن أسفه لحالة الضعف العربي في مواجهة «إسرائيل»، وقال: إذا كان قد كُتب علينا في عصرنا هذا أن يعيش بيننا عدو دخيل لا يفهم إلا لغة القوة، فليس لنا أي عذر أمام الله، وأمام التاريخ في أن نبقى حوله ضعفاء مستكينين متخاذلين، وفي أيدينا - لو شئنا - كل عوامل القوة ومصادرها المادية والبشرية، وأنا ممن يؤمن بأن الاحتلال ليس هو الذي ألحق بنا الهزيمة في 48 أو 67 أو غيرهما من الحروب والمناوشات، وإنما نحن الذين صنعنا هزيمتنا بأيدينا، وبخطأ حساباتنا وقِصَر أنظارنا في تقدير الأخطار، وتعاملنا بالهزل في مواطن الجد، وما كان لأمة موزعة الانتماء، ممزقة الهوية والهوى أن تواجه كياناً يقاتل بعقيدة راسخة، وتحت راية واحدة، فضلًا على أن تسقط رايته وتكسر شوكته.
وأكد الرئيس الفلسطيني محمود عباس، أن القدس هي درة فلسطين، وقلبها النابض، وهي عاصمتنا الأبدية التي تنتمي إلينا، وننتمي إليها، وهي أغلى عندنا من أنفسنا، وأرواحنا، وقد جعلها الله موضع ميلاد السيد المسيح، عليه السلام، ومهوى أفئدة المؤمنين على مر العصور، وقد ظل أهلها على مر التاريخ في رباط لعدوّهم قاهرين، لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم، ولا من عاداهم، حتى يأتيهم أمر الله ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله الموعود ويدخل المسلمون المسجد كما دخلوه أول مرة.
وقال عباس: لذلك لن نرضخ للقرار الجائر والعنصري للرئيس الأمريكي، ولن نستسلم، ونحن في رباط للدفاع عن أرضنا ومقدساتنا، وكل ما نرجوه أن تكون نصرة القدس في وجدان كل عربي، ومسلم، ومسيحي، ونحن في أمس الحاجة إلى نصرتكم وجهودكم لها.
وأوضح الرئيس الفلسطيني أن المؤامرة ضد العرب والمسلمين «تاريخية»، وقد جاء وعد بلفور لزرع جسم غريب في فلسطين لمصلحة الغرب، ثم جاءت الخطيئة الكبرى على يد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وادعى فيها زوراً وبهتاناً أن القدس عاصمة «إسرائيل» في تحد سافر.
وأشار عباس إلى أن فلسطين حصلت على 705 قرارات من الجمعية العامة للأمم المتحدة و86 قراراً من مجلس الأمن منذ سنة 1948، ولكن هذه القرارات لم يطبق منها قرار واحد. فماذا على الشعب الفلسطيني أن يفعل إن كانت أعلى منصة في العالم، وهي الأمم المتحدة، لم تنصفنا، ولم تطبق قراراتها، مطالباً الدول العربية والإسلامية بأن تقف وقفة واحدة في وجه هذا العالم الظالم، مؤكداً أن دولة فلسطين ملتزمة بالطريق السلمي للحصول على حقوقها.
وشدد على أن الولايات المتحدة الأمريكية أخرجت نفسها من عملية السلام في فلسطين بهذا القرار الخطير، ولم تعد صالحة للقيام بدور الوسيط الذي كانت تلعبه خلال العقود الماضية، لافتاً إلى أن فلسطين ستعود لتستخدم الوسائل القوية للدفاع عن حقوقها، وعلى رأسها العودة إلى جماهيرية القضية، وتحدي هذا الاحتلال، ومواصلة الانضمام إلى المعاهدات الدولية كحق أصيل لدولة فلسطين.
وأشار الرئيس الفلسطيني إلى مواقف اليهود المعتدلين من عروبة القدس الذين شارك بعضهم- مشاركة رمزية في المؤتمر- وهم يؤمنون بأنها عربية، وهي للمسلمين والمسيحيين، وأن من حقهم أن يزوروها، لكن لا يقيمون فيها دولة، مشدداً على أنه لم، ولن يأتي اليوم الذي يساوم فيه، أو يُفرط أي فلسطيني، مسلماً كان أو مسيحياً، في أي حبة رمل من تراب القدس، وأن قرار ترامب لن يعطي «إسرائيل» أي شرعية، ولن يمنح الاحتلال حقنا في أرضنا أو سمائنا، وقد كانت القدس، وما زالت إسلامية مسيحية عربية، ومن دونها لا يمكن أن يكون سلام في المنطقة.
ودعا قداسة البابا فرانسيس، بابا الفاتيكان، في رسالته للمؤتمر إلى الحوار من أجل السلام العادل بين الفلسطينيين و«الإسرائيليين»، مؤكداً ضرورة الاعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني، وحث رؤساء الدول والمنظمات الدولية إلى السعي الجاد لإزالة كل أسباب التوتر لكي يسود السلام والعدل والأمان والاستقرار شعوب العالم.
وأكد بابا الفاتيكان ضرورة التعايش السلمي بين الفلسطينيين و«الإسرائيليين» في دولتين متجاورتين، واحترام الخصوصية الدينية لمدينة القدس التي تتطلب وضعاً خاصاً يحافظ على هويتها الدينية.
وأكد البابا تواضروس الثاني، بابا الإسكندرية وبطريك الكرازة المرقسية أن قضية القدس لها بعد ثقافي وديني وعقائدي، وأنها ليست مجرد مكان يتمتع ببعض الآثار، لكنها رمز للالتقاء، وعلى أرضها المقدسة نزلت الأديان، وهذه المكانة تجعلها مؤهلة لتكون واحة سلام تلتقي فيها الصلوات ليدرك الناس، أفراداً وشعوباً، أهمية التعايش السلمي المشترك للعيش في سلام وأمان.
وأوضح بطريك الكرازة المرقسية، أنه من المؤسف أن تكون مدينة القدس مسرحاً للصراع والاقتتال، مبيناً أن السلام خيار لا بديل عنه، ولا يأتي إلا باحترام الشعب الفلسطيني، وشعوب المنطقة كافة، مشدداً على أن ما تم لم يراع مشاعر المسلمين والمسيحيين في الشرق الأوسط.
وأكد تواضروس أن قرار الرئيس ترامب قرار ظالم وجائر، ونحن نرفض الظلم والقهر واستغلال النصوص الدينية، مؤكداً أننا نقف دائماً بجانب من يناضلون من أجل حريتهم وكرامتهم وحقوقهم ضد المغتصبين، وعلينا أن نفكر كيف يستعيد هذا الشعب حقوقه.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق